حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

باب الصلاة على الحصير

          24- قوله: (عَنْ جَابِرِ) [خ¦20/8-633].
          رُوي لَه عنِ النَّبيِّ صلعم ألْف حديثٍ وخَمْس مئةٌ وأربعون، وغَزَا مَع النَّبيِّ صلعم تِسْع عشرة غَزْوة، ولم يشْهدْ بدْراً ولا أُحُداً، وهو وأُمُّه وخالُه مِن أصحابِ العَقَبةِ(1).
          وتُوفِّي سنةَ ثلاثٍ وسَبْعين وهو ابنُ أربعٍ وتِسْعين.
          وأَبوهُ عبدُ الله استَشْهَدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وأحياهُ اللهُ وكلَّمَه وقال: يا عَبْد الله ما تُرِيدُ؟ فقالَ لَه: أَرجع إلى الدُّنيا فأُقتل مرَّةً أُخْرى.
          وقال جابرٌ: «دَفَنْتُ أَبي مَع رَجُلٍ، ثمَّ استخرجتُهُ بعد ستَّة أشهرٍ، فإذا هو كيَوْم دَفَنْتُه غير أُذنه، وإنَّما أخرجته لأنَّ نفسي لم تَطِبْ أنْ يكون مَع آخَرَ في قَبْرٍ واحدٍ».
          قوله: (وَقَالَ الحَسَنُ) أي: البَصْريُّ.
          وقوله: (مَا لَمْ تَشُقَّ على أَصْحَابِكَ) أيْ: مُدَّة عَدَم شقِّك على أصْحابِك(2).
          وظاهرُه أنَّه قيد في قولِه: (تُصَلِّي قَائِماً)، مَع أنَّه قيدٌ أيضاً في (تَدُوْرُ مَعَهَا)، فَقَوله: (تَدُوْرُ) أي: ما لم تَشُقَّ... إلى آخِرِه.
          قولُه: (وَإلَّا فَقَاعِداً) أي: بأنْ شقّ القيامُ على أصْحابِك مَع حُصولِ المشقَّة لكَ أيضاً بدَوَران رأْسٍ أوْ خَوْفِ غَرَقٍ فَصَلِّ قاعِداً، ولا إعادَةَ إنْ كانتِ الصَّلاةُ إلى القِبْلة، فَلَو شقَّ عليه الدَّوَرانُ فيُصلِّي حيث ما توجَّهتْ به، وتجبُ الإعادةُ عِنْدنا خِلافاً للإمامِ مالكٍ.
          وهذا الأثرُ والذي قبلَه ذَكَرهُما البُخاريُّ في باب: «الصَّلاة على الحُصْر»(3) [خ¦20/8-633]، وليسَا بمرفوعَيْن.
          وذَكَر القَسْطَلَّانيُّ(4) أنَّ ما فعَلَه جابرٌ وأبو سعِيدٍ وصَلَه ابنُ أبي شَيْبةَ بسَنَدٍ صحيْحٍ[6626]، وكذا قالَ الحسنُ[ش6628].
          وعلى كونهما أثرَيْن، فلا شكَّ أنَّ جابِراً وأبا سَعيْدٍ صحابيَّان دُون الحسنِ البَصْريِّ؛ فإنَّه تابعيٌّ، والصَّحابةُ يُقتدى بهم في أقْوالِهم وأفعالِهم؛ لأنَّهم لا يعملون عمَلاً إلَّا بالتَّوْقيفِ عنِ الشَّارِعِ ╕.
          فَفِعْلُ الصَّحابة وقولُهمْ حُجَّةٌ، وهذا ما ذهَبَ إليه مالكٌ وأبو حنيفةَ وأحمدُ.
          وكذا إمامُنا الشَّافِعيُّ في القديْم، وخالفَ في الجديدِ كما ذكَره إمامُ الحرَمَين في «الوَرَقاتِ» فقال:
          وقولُ الواحِدِ منَ الصَّحابةِ ليس بحُجَّةٍ على القَوْلِ الجديدِ(5).
          وفي القَديم: حُجَّةٌ، لكن إذا كانَ قَوْلُ الصَّحابيِّ أو فِعْلُه مِن قِبَلِ الرَّأي لا يُحتجّ به.
          فإنْ لم يكُن مِنْ قِبل / الرَّأي احتجَّ به، نحو: كان ابنُ عُمَرَ وابنُ عبَّاسٍ يُقصران ويفطران في أربعة بُرُدٍ.
          وكقولِ الصَّحابة: أُمِرْنا ونُهِينا(6) بكذا؛ فإنَّ الظَّاهرَ أنَّ الآمِرَ والنَّاهيَ لهم هُو رسوْلُ الله صلعم، وأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ ابنَ عُمَرَ وابنَ عبَّاسٍ لا يفعلان ذلك من قِبَل رأْيهما، بلْ بتَوقيفٍ وتعْليمٍ منَ النَّبيِّ صلعم.


[1] في هامش «ز1»: أي: عقبة مِنى، وهو من السَّبعين الذين عاهدوا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الإيواء والنُّصرة.
[2] قوله: «أي: مدة عدم... أصحابك» زيادة من الأصل، وسقطت من «م».
[3] في نسختي (على الحصير).
[4] إرشاد الساري 1/405.
[5] ينظر: «الوَرَقات» للجُوينيِّ (ص: 24 - دار تراث).
[6] كذا في الأصل، وفي «م»: أو نهينا.