حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

باب: إذا جامع في رمضان

          88- قولُه: (رَفَعَهُ) [خ¦30/29-3030] أي: رفعَ الحديثَ أبو هُريرةَ، وأسندَه للنَّبيِّ صلعم، فالجمْلةُ حالٌ من (أَبِي هُرَيْرَةَ) أي: حال كونه رافِعاً له.
          قوله: (مَنْ أَفْطَرَ يَوْماً) أي: بجِماعٍ أو غيره.
          وقوله: (مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) وفي روايةٍ(1): «مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ».
          وقوله: (وَلَا مَرَضٍ) عطفُه على ما قبله مِن عَطْفِ الخاصِّ على العامِّ، وخُصَّ المرضُ بالذِّكْر لأنَّه أشدُّ الأعذارِ.
          قوله: (لم يَقْضِهِ عَنْهُ صِيَامُ الدَّهْرِ) إسنادُ القضاءِ إلى صِيَام الدَّهْرِ مَجازيٌّ، وأضاف الصَّوم ﻟ (الدَّهْرِ) إجراءً للظَّرْفِ مجرى المفعول به؛ إذِ الأصلُ: لم يقضْ هو في الدَّهر كُلِّه إذا صامَه.
          قال المُظْهرِيُّ(2): يعني: لم يجدْ فضيلةَ الصَّوْمِ المفروض / بالصَّوْم(3) النَّافِلة، أي: إنَّ الصَّوْمَ المفروضَ الذي فاتَه لا تحصل له(4) فضيلته بصوْم الدَّهْر نَفْلاً.
          قال: وليس المراد: إنَّ صيامَ الدَّهْر بنيَّة القضاء لليوم الذي فاتَه من رمضانَ لا يسقط عنه قضاء ذلك اليوم، بل يجزيه قضاء يومٍ بدَلاً عن يومٍ.
          ويحتمل أن يكونَ المعنى: إنَّه لم يجزه صيام الدَّهْر في الوَصْف الخاصِّ وهو وصفُ الكمال وإنْ كان يقوم مقامه في الوَصْف العام وهو سقوط الطَّلَب، فاليوم الذي قضاهُ سقط به الطَّلب ولم يحصل به الكَمال.
          ويحتمل أن يكون المقصودُ من الحديث الزَّجرَ والتَّنفيرَ عن فوات الصَّوم بلا عُذْرٍ، ولا يصح أن يحملَ الحديث على نفي القضاءِ إذا فاتَ الوَقْت؛ لأنَّ كلَّ عِبادةٍ فاتَ وقْتُها تُقضى إلَّا الجمعة؛ لأنَّ منْ شروطِ صحَّتها الوَقْتَ، وقد فاتَ.
          ويحتمل أن يكون في الحديث منزعٌ صُوفيٌّ؛ وذلك أنَّ كلَّ وقْتٍ يُطلب فيه عِبادةٌ مخصوصةٌ به، فإذا فاتَ الوَقْتُ بدون عبادتِه الخاصَّة به فلا يمكن تداركها في وقْتٍ آخرَ.
          قوله: (وَإنْ صَامَهُ) هذه الجملةُ حاليَّةٌ وهي معلومةٌ منْ قوله: (صِيَامُ الدَّهْرِ)، وإنَّما أتى بها على سبيْل التَّأكيدِ، أي: وإنْ صامَه حقَّ الصِّيامِ ولم يقصر فيه وبذلَ جهده وطاقته.
          وهذا الحديثُ قد وصلَه أصحابُ «السُّنن» [د 2396، ت 723، ـه 1672] الأربع [1987]، وصحَّحَه ابنُ خُزيْمةَ من طرِيقِ سُفيان الثَّوريِّ وشُعْبةَ(5)؛ كِلاهُما، عن حَبيبِ بنِ أبي ثابِتٍ، عن عمارة بن عميرٍ، عن أبي المُطَوَّسِ _بضَمِّ الميم، وفَتْح المُهمَلة، وتشديدِ الواوِ المفْتوحة_ عَن أَبِيه، عَن أبي هُريرةَ نحوه.
          قال التِّرْمذيُّ [723]: سألْتُ محمَّداً _يَعْني: البُخاريُّ_ عن هذا الحديْث؟ فقال: أبو المُطوَّسِ، اسمُه: يزِيدُ بنُ المُطوَّسِ، لا أعرف لَه غير هذا الحديث.
          وقال في «التَّارِيخ»(6) أيضاً: تَفرَّد أَبو المُطَوَّسِ بهذا الحديث، ولا أدْري سمِعَ أَبوهُ مِن أبي هُريرة أَمْ لا. انتهى.
          واختلفَ فيه على حَبيْبِ بنِ أبي ثابتٍ اخْتلافاً كَثيراً، فحصلتْ فيه ثلاث عِلَلٍ:
          الاضْطِرابُ.
          والجهْلُ بحالِ أبي المُطوَّسِ.
          والشَّكُّ في سَماع أَبِيْه مِن أبي هُريْرةَ.
          قوله: (وَبِهِ) أي: بما دلَّ عليه حديثُ أبي هُريرة ممَّا وصلَه البَيْهقيُّ [8322] منْ طرِيق المُغيرةِ بنِ عبدِ الله اليَشْكُريِّ قال: حُدِّثْتُ أنَّ عبدَ الله بنَ مَسْعُودٍ قال:
          «مَنْ أفْطَرَ يَوْماً مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْر عِلَّةٍ لم يجزه صيامُ الدَّهْرِ حتَّى يلْقى الله، فإنْ شاءَ غَفَرَ لَه، وإنْ شاءَ عَذَّبَه».
          وذكَرَ ابنُ حَزْمٍ [6/183] من طرِيق ابنِ المُباركِ بإسنادٍ له فيه انْقِطاعٌ، أنَّ أبا بكْرٍ الصِّدِّيقَ قال لعُمر بن الخطَّاب فيما أوصاهُ به: «مَنْ صامَ شَهْر رَمَضَانَ في غَيْره لم يُقبل منْه ولَو صامَ الدَّهْر أَجْمع».
          وهذا الحديثُ ذكَرهُ البخاريُّ في باب: إذا جامع في رَمَضان[خ¦30/29-3028].


[1] البيهقي 8322.
[2] كما في القسطلاني 3/375.
[3] قوله: «المفروض بالصوم» زيادة من الأصل، وببعض النُّسخ و«م»: الفرض بصوم.
[4] كذا في الأصل، وسقطت من «م».
[5] كذا في الأصل، وفي «م»: وسمعه.
[6] نقله عن ابن بطال 4/70، والحافظ في الفتح 4/161.