حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا

          134- قوله: (مَنْ جَهَّزَ غَازِياً) [خ¦2843] بأنْ هيَّأ لَه أسبابَ سَفَرِه.
          وهلْ هذا عامٌّ في العاجزِ وفي المُستطيع أوْ مقصورٌ على العاجِز، والظَّاهرُ الأوَّلُ.
          قوله: (فَقَدْ غَزَا) أي: فَلَه مِثْلُ أجرِ الغازي _وإن لم يَغْز حقيقةً_ منْ غَير أن ينقصَ مِن أجْرِ الغازِي شيءٌ؛ لأنَّ الغازيَ لا يتأتى منْه الغَزْو إلَّا بعد أن يُكفى ذلك العَمل، فصار كأنَّه يُباشر معَه الغَزْو، ولكنَّه يضاعف الأجر لمن جهَّزه مِن مالِه ما لا يضاعف لمن دلَّه أو أعانَه إعانةً مجرَّدةً عن بذْلِ المالِ.
          نَعَمْ؛ مَن تحقَّق عجزُه عنِ الغَزْوِ وصدقت نيَّته ينبغي أن لا يختلف أن أجْرَه مُضاعفٌ كأجرِ العاملِ المُباشر.
          قوله: (وَمَنْ خَلَفَ) أي: قامَ بعْدَه في أهْله، ومَن يتركه بأنْ نابَ عنه في مُراعاتهم وقضاء مآربهم زمان غَيْبَتِه.
          قوله: (فَقَدْ غَزَا) أي: شاركَه في الأجْرِ من غير أن ينقصَ من أجْره شيءٌ؛ لأنَّ فراغَ الغازِي له واشتغالَه به بسبَبِ قيامِه بأمْرِ عيالِه، فكانَ سببَ فِعْلِه.
          وفي حديثِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ مَرْفوعاً: «مَنْ جَهَّزَ غازِياً حتَّى يَسْتَقِلَّ، كان له مثلُ أجْرِه حتَّى يَمُوْتَ أوْ يَرْجِعَ».
          رَواه ابنُ ماجَهْ[2785].
          وفي الطَّبرانيِّ في «الأوْسطِ»[7883] برِجالِ الصَّحيْح مَرفوعاً: «مَنْ جَهَّزَ غازِياً في سَبِيْلِ الله فلَه مثلُ أجْرِه، ومَن خَلَفَ غازِياً في أهْلِه بخَيْرٍ وأنفقَ على أهْلِه فلَه مثلُ أجْرِه».
          وفي حديْث عُمر بنِ الخطَّابِ ☺ في «صَحيْحِ ابنِ حِبَّانَ»[4628] مَرْفُوعاً: «مَنْ أظَلَّ رَأْسَ غازٍ أظلَّه اللهُ يوم القِيامةِ».
          فإنْ قلتَ: هل من جهَّز غازياً على الكَمال وخَلَفَه بخَيْرٍ في أهْلِه كان له أجرُ غازيَين أوْ غازٍ واحِدٍ!؟
          أَجابَ ابنُ أبي جَمْرةَ، بأنَّ ظاهرَ اللَّفظِ يُفيد أنَّ له أجْر غازيَيْن؛ لأنَّه ╕ جعلَ كُلَّ فِعْلٍ مُستقلًّا بنفْسِه غيرَ مُتوسِّطٍ بغَيْره. /
          وهذا الحديثُ ذكَره البُخاريُّ في باب: مَن جهَّز غازِياً أوْ خَلَفَه بخَيْرٍ.