حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا..

          46- قوله: (سَمِعَ اللهُ لِمنْ حَمِدَهُ) [خ¦796] أي: تقبَّلَه مِنْه وجازاهُ عَلَيه.
          قوله: (رَبَّنَا لَكَ الحمْدُ).
          وفي رِوايةٍ: «وَلَكَ الحمْدُ»، بالواوِ، قال النَّوويُّ(1): فيكونُ مُتعلِّقاً بما قبله، أي: سمِعَ الله لمن حَمِدَه رَبّنا فاستجبْ دُعاءنا، ولكَ الحمْدُ على هِدايَتِنا.
          وفيه رَدٌّ على ابنِ القَيِّمِ حيثُ جَزَمَ بأنْ لم يرد الجمْع بين (اللَّهمَّ) والواوِ في ذلك.
          واستدلَّ بهذا الحديث المالكيَّةُ والحنفيَّةُ على أنَّ الإمامَ لا يقول: «رَبَّنا لَكَ الحمْدُ»، وعلى أنَّ المأمومَ لا يقول: «سَمِعَ اللهُ لِمنْ حَمِدَهُ»، لكون ذلك لم يُذكر في هذه الرِّواية، وأنَّه ╕ قسمَ التَّسميعَ _الذي هو طلَبُ التَّحْميد_ للإمام، والتَّحْميدَ _الذي هو طَلبُ الإجابةِ_ للمأْمُومِ.
          ويدلُّ لَه قولُه عليه الصَّلاة والسَّلامُ في حديْث أبي مُوسى الأشْعريِّ عِنْدَ مُسْلمٍ [77/411]: «وإذا قالَ: سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَهُ، فقُولوا: رَبَّنا لَكَ الحمْدُ».
          وفي روايةٍ(2): «إذا قالَ الإمامُ: سَمِعَ اللهُ لِمنْ حَمِدَه، فقُوْلُوا: رَبَّنا لَكَ الحمْدُ، يَسْمَعُ اللهُ لَكُمْ».
          ولا دليلَ لهم في ذلك؛ لأنَّه ليسَ في حديث البابِ ما يدلُّ على النَّفْيِ، بلْ فيه إنَّ قولَ المأموم: «رَبَّنا لَكَ الحمْدُ» يكون عقِبَ قول الإمام: «سَمِعَ اللهُ لمنْ حَمِدَهُ»، ولا يمتنع أنْ يكونَ الإمامُ طالِباً ومُجيْباً.
          وقد ثبتَ أنَّ النَّبيَّ صلعم جمعَ بينهُما، وقد قالَ صلعم: «صَلُّوا كَما رأيْتُمُونِي أُصَلِّي» [خ¦631]، فيجمع بينهما الإمامُ والمنْفَرِدُ عِنْد الشَّافعيَّة والحنابِلَة وأبي يُوسف ومحمَّدٍ، والجمهورُ والأحاديثُ الصَّحيحة تشهد لذلك.
          وزادَ الشَّافعيَّةُ أنَّ المأمومَ يجمعُ بينهُما أيضاً.
          قولُه: (وَافَقَ قَوْلُهُ) بالرَّفْع فاعلُ (وَافَقَ)، أي: مَنْ وافقَ حَمْدُه حَمْدَ الملائكةِ، أي: في الزَّمن، وظاهرُه أنَّ الموافقةَ في الحمْدِ في الصَّلاة لا مُطْلَقاً.
          وقوله: (مِنْ ذَنْبِهِ) أي: إذا كان من الصَّغائرِ.
          ورُوي عَن رِفَاعةَ بنِ رافِعٍ الزُّرَقيِّ قال: كُنَّا يوْماً نصلِّي وراء النَّبيِّ صلعم فلمَّا رفع رأْسه من الركعة قال: «سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَهُ»، قال رجلٌ: رَبَّنا ولكَ الحمْدُ، حَمْداً كثيراً طيِّباً مُبارَكاً فيه، فلمَّا انصرفَ قال: «مَنِ المُتكَلِّم؟».
          فلَم يتكلَّم أحَدٌ، ثمَّ قالَها الثَّانية، فَلَم يتكلَّم أَحدٌ، ثمَّ قالَها الثَّالثة، قال: أَنا.
          قال: «رأيْتُ بِضْعَةً وثلاثينَ مَلَكاً، يَبْتَدِرُوْنَها أيُّهُمْ يَكْتُبُها أوَّلُ» [خ¦799].
          وهذا الحديثُ / ذَكَره البُخاريُّ في باب: فضْل اللَّهمَّ رَبَّنا ولكَ الحمْدُ.


[1] شرح النووي على مسلم 4/121.
[2] ت 267، س 1063، ـه 876.