حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: يقول الله: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئةً فلا تكتبوها

          291- قولُه: (إذا أَرَادَ عَبْدِي...) [خ¦7501] إلى آخرِه.
          عبَّر في هذا الحديثِ ﺑ (أَرَادَ).
          وفي حدِيثٍ آخَر[خ¦6491]: «مَنْ هَمَّ بحَسَنةٍ فَلَم يَعْمَلْها كُتبتْ لَه حَسَنةً، فإنْ عملَها كُتِبَتْ لهُ عَشْراً، ومَنْ هَمَّ بسيِّئةٍ فَلَم يَعْمَلْها لم تُكْتَبْ عَلَيْهِ».
          وفي رِوايةٍ لمُسلمٍ(1): «كَتبَها اللهُ عِنْدَه حَسَنةً كامِلَةً»، زادَ في روايةٍ أُخرى(2): «إنَّما تركَها مِنْ جَرَّائي»، أي: مِن أجلي.
          والهَمُّ هُو القَصْدُ.
          والحاصلُ: إنَّ المراتبَ خمْسٌ:
          الأُولى: هو الهاجِس، وهو ما يُلْقى في القَلْب.
          والثَّانية: الخاطرُ، وهو ما يَجولُ في النَّفْسِ بعد إلقائِه.
          والثَّالثة: حديث النَّفْسِ، وهو التَّردُّد، هلْ يفعل أوْ لا يفعل.
          والرَّابعة: الهمُّ، وهو قَصْدُ الفِعْل.
          وهذه المراتب الأربعة لا يُؤاخذ بها.
          والخامسة: العَزْمُ، أي: الجزْمُ، وهو مُؤاخذٌ به عِنْد المُحقِّقين.
          واعلمْ أنَّ كُلّاً منَ الهاجِس والخاطِر وحديث النَّفْسِ لا يتعلَّق به ثَوابٌ ولا مُؤاخذةٌ، والهمُّ الذي هو القَصْدُ يوجبُ الثَّوابَ ولا تحصل به مُؤاخذةٌ، والعَزْمُ يحصل به كلٌّ منهما.
          فإنْ قلتَ: إذا همَّ بالسَّيِّئة فلمْ يعمَلْها فغايتُه أنْ لا تكتب عليه سيِّئة، فمَن أينَ تكتب له حَسنةٌ!؟
          قلت: الكَفُّ عن السَّيِّئِ حَسَنةٌ.
          قوله: (فَإنْ عَمِلَهَا) بكسرِ الميْمِ.
          ولأبي ذَرٍّ، عنِ الحَمُّوْييِّ والمُسْتَمْلِيِّ: «فإذا عَمِلَهَا».
          قولُهُ: (فَاكْتُبُوْهَا بِمِثْلِهَا) أي: مِن غَيْر تضْعيفٍ.
          وقوله: (مِنْ أَجْلِي) أي: خَوْفاً مِنِّي.
          وأمَّا إذا تركها كسلاً، فلا يكتب عَلَيه ولا لَه.
          قوله: (حَسَنَةً) / أي: كاملة مِن غير مُضاعفةٍ.
          قولُه: (فَاكْتُبُوْهَا لَهُ حَسَنَةً) أي: كامِلة لا نقص فيها.
          قوله: (إلى سَبْعِ مِئَةِ) ولأبي ذَرٍّ، عَنِ الحَمُّوْييِّ والمُسْتَمْلِيِّ: «إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إلى أضْعافٍ كَثيرةٍ»، أي: بحسَبِ الزِّيادةِ في الإخْلاصِ.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البُخاريُّ في باب: قَوْل الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح:15].


[1] 207/131، وكذا في البخاري [خ¦6491].
[2] مسلم 205/129 بلفظ: (من جرَّاي).