حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث البراء: أمرنا النبي بسبع ونهانا عن سبع

          65- قوله: (عَنِ البَرَاءِ) [خ¦1239] بفتح الرَّاءِ المخفَّفة الممدودةِ.
          قوله: (بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ) ظاهره أنَّ الاتِّباع يكون بالمشي خلْفها، وهذا هو الأفضلُ عند الحنفيَّةِ، والأفضلُ عند الشَّافعيَّة أن يكون أمامها؛ لما وردَ في ذلك مِن حدِيثٍ صحيْحٍ(1) عنِ ابنِ عُمَرَ قالَ:
          «رأيتُ النَّبيَّ صلعم وأبا بكْرٍ وعُمَرَ يَمْشونَ أمامَ الجنازةِ».
          ولأنَّ المُشيِّع للجَنازة شفيعٌ وحَقَّ الشَّفيع أنْ يتقدَّم، وأمَّا حديثُ: «امْشُوا خَلْفَ الجنائزِ»، فضعيفٌ(2).
          وأمَّا حديثُ البابِ، فأجابوا عنْه بأنَّ الاتِّباع محمولٌ على الأخذِ في طريق الجنازة والشُّروع فيها والسَّعْي لأجلِها، كما يُقال: الجيشُ تبع السُّلْطان، أي: إنَّ الجيْشَ يَقْصِدُ مُوافقَةَ السُّلْطان، وإنْ تقدَّمَ كثيرٌ منَ الجيْشِ.
          وأمَّا عِنْد المالكيَّة فثلاثةُ أقوالٍ:
          فقيلَ: التَّقدُّم.
          وقيْل: التَّأخُّر.
          وقِيل: تقدُّم الماشي وتأخُّر الرَّاكِب؛ وهو الرَّاجحُ عندهم.
          قوله: (وَعِيَادَةِ المَرِيْضِ) أي: زيارتِه إنْ كان مُسلماً أو ذمِّياً قريباً للعائد، أوْ جاراً له ورجاْ إسلامَه.
          تَنْبِيهٌ:
          عِيادةُ المريضِ سُنَّةٌ إلَّا إذا لم يكُن له متعهدٌ فتكون لازِمةً واجِبةً، وقد وردَ أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «إنَّ المُسْلِمَ(3) لم يزلْ في مَخْرَفَةِ الجنَّة حتَّى يَرْجِع».
          والمراد بمَخْرَفَتِها: بَساتينِها، أي: لم يزل في السَّبب الموصل لمَخْرَفَةِ الجنَّة.
          وقد وردَ أنَّ غُلاماً يَهوديّاً / كان يخدمُ النَّبيَّ صلعم فمَرِضَ الغُلامُ، فأتاهُ النَّبيُّ صلعم ليعوده(4)، فَقَعَدَ عِنْد رأْسِه فقالَ لهُ: «أَسْلِمْ».
          فنظرَ إلى أَبِيه وهو عِنْده! فقالَ لَه: أَطِعْ أبا القاسِم. فأسْلمَ ╩، فخرَجَ النَّبيُّ صلعم وهو يقوْلُ: «الحمْدُ لله الذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ» [خ¦1356].
          ولا تُطْلب عيادةُ أهْلِ البِدَع والفُجُور والمُكُوْسِ، إذا لم تكن قَرابةٌ ولا جوارٌ ولا رجاءُ تَوْبةٍ، فهُم مثلُ الذِّمِّيِّين.
          والمطلوب أنْ تكونَ العيادةُ غِبَّاً، فلا يُواصلها كلَّ يومٍ، ومحلُّ ذلك في غير القَريب والصَّديق ونحوِ ذلك ممَّن يَأْنَسُ به المَرِيضُ أو يَتبرَّكُ بِه، أو يَشُقُّ عَلَيه عَدَمُ رُؤيتِه كُلَّ يَوْمٍ(5)، أمَّا هؤلاء فيُواصِلُون العِيادة، والمطْلوب العِيادةُ ولو أوَّل يَوْمٍ.
          وقولُ الشَّيخ الغَزالِيُّ(6): إنَّما يُعاد المريضُ بعد ثلاثٍ؛ لحديثٍ وردَ، فمَرْدُودٌ بأنَّه مَوضوعٌ.
          ويسنّ أن يدعوَ لهُ، وأنْ يقولَ في دُعائِه: «أسألُ الله العَظيْم(7) رَبَّ العَرْش العَظِيم أن يشفيك بشفائِه»، سَبْع مرَّاتٍ.
          ويسنّ تَخفيفُ المُكْثِ عنده لما فيه من إضْجارِه ومنْعِه منْ بعضِ تصرُّفاتِه.
          والعيادةُ مُسْتحبَّةٌ ولو كان المرضُ رَمَداً، خِلافاً لمن قالَ: إنَّها لا تستحب للرَّمَدِ.
          قوله: (وَإجَابَةِ الدَّاعِي) أي: الطَّالب لوليمة العُرْسِ على سبيل الوُجوبِ، ولغيرها على سبيل النَّدْبِ بالشُّروط المقرَّرة في الفِقْه.
          قولُه: (وَنَصْرِ المَظْلُوْمِ) أي: بالقَول أو بالفِعْلِ، مُسلماً كان أَوْ كافِراً.
          قوله: (وَإِبْرَارِ القَسَمِ) بكسرِ الهمْزة، مأخوذٌ منَ البِرِّ، وهو خلافُ الحِنْثِ.
          و(القَسَمِ) بفَتْح القاف والسِّين المهملة، أي: اليمين.
          ويُروى (المُقْسِمِ) بضمِّ الميم، وسكون القاف، وكسر السِّين: وهو الحالِفُ.
          والمراد بإبْرارِه: أنْ يفعلَ المَحْلُوف عليه إنِ استطاعه؛ لأنَّ هذا مِن مَكارِم الأخْلاقِ، وهذا خاصٌّ بما يحل، فلو كان المحلوف عَلَيه حراماً فلا يفعله.
          قوله: (وَرَدِّ السَّلَامِ) أي: وُجوباً عَينيّاً على المنفرِد، وكفائيّاً على الجماعةِ.
          قوله: (وَتَشْمِيْتِ العَاطِسِ) أي: الدُّعاء له بقولِه: «يَرْحَمُكَ الله» إذا حَمِدَ اللهَ تعالى وكان مرَّةً أو مرَّتَين أو ثلاثاً، فإن زاد على ثلاثٍ لم يُشمِّتْه، بلْ يقول لَه: عافاكَ الله، أو: شفاكَ؛ فإنَّ هذا مرضٌ لا يشمَّت مِنْه.
          ولا بُدَّ أنْ يكون العُطَاسُ بلا سببٍ، فلا يشمَّت العاطِسُ بسببٍ كنَشُوْقٍ، وكذا إذا لم يَحمدِ الله تعالى، ومذْهبُ الإمامِ مالكٍ وُجوبُ التَّشمِيتِ على الكفاية، ولو كان العُطاسُ بسببٍ، لكن بشرطِ أنْ يحمد الله تعالى على كُلِّ حالٍ.
          قوله: (وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الفِضَّةِ) وفي رِوايةٍ: «عَنْ سَبْعٍ: آنِيَةِ الفِضَّةِ».
          وهي حرامٌ على العُموم، سواءٌ كان المتَّخِذ لها ذَكَراً أوْ أُنثى أو خُنْثى.
          قوله: (وَالمَيَاثِرِ).
          هذه لم يذكُرْها البُخاريُّ في هذا البابِ، بل ذكَرها في بابٍ آخَر، فذكَرها المصنِّفُ هنا لكون الرَّاوي / للرِّوايتين في البابَين واحداً، وهي لا يصح العدد إلَّا بها.
          و(المَيَاثِر) بالثَّاءِ المثلَّثةِ والرَّاءِ: الغِطَاءُ الذي يكُون على السَّرْجِ، مِنْ حَريرٍ أو صَوْفٍ، لكن الحُرْمة إنَّما تتعلَّقُ بالحرِيْرِ.
          قوله: (وَخَاتَمِ الذَّهَبِ) وهو حَرَامٌ على الرِّجالِ والخَنَاثى، ومثلُه الحرِيْرُ فهو حَرَامٌ على الرِّجالِ دُون النِّساءِ.
          قوله: (وَالدِّيْبَاجِ) بكسرِ الدَّالِ وفتْحِها، هي الثِّيابُ المتَّخَذةُ منَ الإبْرَيْسَمِ.
          قولُه: (وَالقَسِّيِّ) بفَتْح القافِ، وكَسْرِ السِّين المهملةِ المشدَّدة، والياء التَّحتيَّة المشدَّدة أيضاً، وهي ثيابٌ يُؤتى بها من الشَّام أوْ من مِصْرَ، وفيها خُطوطٌ منَ الحرِيْرٍ مِثْلُ الأُتْرُجِّ.
          وقيل: كَتَّانٌ مخلُوطٌ بحَرِيْرٍ.
          وقيل: هو رَدِيْءُ الحرِيْرِ.
          قوله: (وَالإسْتَبْرَقِ) بكسرِ الهمْزةِ، وفتح الفَوقيَّةِ، وهو الغليظُ مِن الحرِيرِ.
          وذِكْرُ هذه الثَّلاثةِ _أعْني: الدِّيْباجَ والقَسِّيَّ والإسْتَبْرقَ_ من باب ذِكْر الخاصِّ بعد العامِّ اهْتماماً بحُكمِها، أو دَفْعاً لتوَهُّم أنَّها مختصَّةٌ باسمٍ يُخرجُها عن حُكم العامِّ وهو الحرير.
          أو أنَّ العُرف فرَّقَ بين تلْكَ الأشياءِ في الأسماءِ لاختلافِ المُسمَّيات، فرُبَّما تُوهِّم أنَّها منْ غير الحرِيرِ.
          وهذا الحديثُ ذَكَرهُ البخاريُّ في باب: الأمْر باتِّباع الجنائزِ.


[1] د 3179، ت 1007_1009، س 1944، ـه 1482_1483.
[2] ذكره ابن عبد البر في التمهيد 12/99_100، ثم قال: (ولا يثبت عندي).
[3] مسلم 39/2568.
[4] كذا في «ز1»، وليست في الأصل.
[5] قوله: «أو يشق عليه... كل يوم» زيادة من الأصل، وسقطت من «م».
[6] إحياء علوم الدين 2/210.
[7] كذا في الأصل، وفي «م»: الكريم.