حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: يا معاذ هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟

          136- قولُه: (رِدْفَ) [خ¦2856] بكسرِ الرَّاءِ، وسكُون الدَّال، أي: راكباً خَلْفَه.
          قوله: (عُفَيْرٌ) بضمِّ العَيْن المُهملة، وفَتْح الفاءِ، بَعْد التَّحتيَّة السَّاكِنة راءٌ، تَصْغيرُ أَعْفَرَ، أخْرجوهُ عَن بناءِ أصْلِه، كما قالوا: سُوَيْدٌ، في تصْغيْر أَسْوَد.
          مأْخوذٌ من العُفْرةِ، وهي حُمْرةٌ يُخالطُها بَياضٌ.
          ووهمَ عِياضٌ(1) في ضبْطِه لهُ بالغَيْن المُعْجمة _وهو غيرُ الحِمارِ الآخَر الذي يقالُ لَه: يَعْفُوْرٌ_، وابنُ عَبْدُوْسٍ حيثُ قال: «إنَّهما واحدٌ»؛ فإنَّ عُفَيْراً أهْداهُ المُقَوْقِسُ لَه صلعم، ويَعْفُوْراً أَهداهُ فَرْوةُ بنُ عَمْرٍو.
          وقيلَ بالعكْس.
          قوله: (هَلْ) ولأبي ذرٍّ: «وَهَلْ».
          وقوله: (حَقَّ الله) كذا بإسقاطِ «ما» في «الفرع» وغيره.
          وفي نُسخةٍ: «مَا حَقُّ الله».
          قولُه: (فَإنَّ حَقَّ الله) الظَّاهرُ أنَّ الفاءَ _هُنا_ على توهُّم دُخول: أما.
          قوله: (أَنْ يَعْبُدُوْهُ) وللكُشْميهَنيِّ: «أَنْ يَعْبُدُوا»، بحَذْف المفعولِ.
          قوله: (وَحَقَّ العِبَادِ) بالنَّصْبِ عطْفاً على (حَقَّ الله).
          ولأبي ذَرٍّ: «وَحَقُّ العِبَادِ»، بالرَّفْع على الاستئنافِ.
          وقوله: (على الله)، أي: فَضْلاً مِنْه.
          قوله: (أَفَلَا أُبَشِّرُ بِه) أي: أقلت ذلك فلا أبشِّر به، فالمعطوفُ عَلَيه مقدَّرٌ بعد الهمْزة.
          قوله: (لا تُبَشِّرْهُمْ).
          فإنْ قُلْتَ: هذا يُخالفُ ما في حديْث أبي هُريرةَ الذي أوردَه مُسلمٌ[52/31] منْ أنَّ النَّبيَّ صلعم لمَّا قامَ مِن عِنْده جماعةٌ من أصحابِه لحاجةٍ:
          فانْطلقَ _أي: النَّبيُّ صلعم_ دخَلَ عليه أبو هُريْرةَ وهو في حائطٍ _أي: بُسْتانٍ_ / للأنصارِ، فأعطاهُ نَعْلَه، فقالَ لَه: «اذْهَبْ بنَعْلَيَّ هاتَيْن، فمَن لَقِيْتَ مِن وَراءِ هذا الحائط يَشْهَدُ أنْ لا إله إلَّا الله مُسْتَيْقِناً بها قَلْبُه، فَبَشِّرْهُ بالجنَّةِ».
          قال: فكانَ أوَّلَ مَن لَقِيْتُ عُمر فقال: ما هاتانِ النَّعْلانِ يا أبا هُريرةَ؟ فقلتُ: هاتَين نَعْلَا رسولِ الله صلعم _الأوَّل: منْصوبٌ بتقديرِ: أعْني، والثَّاني: مَرفوعٌ خبرُ مبتدإ محْذوفٍ، أي: هُما نَعْلَا... إلى آخرِه_ بَعَثْني بهما أو بِها فقالَ: «مَنْ لَقِيْت يَشْهَدُ أنْ لا إله إلَّا الله مُسْتَيْقِناً بِها قَلْبُه، فبَشِّرْهُ بالجنَّةِ».
          قال: فضَرَبَ عُمر بيَدِه بينَ ثَدْييَّ فخَرَرْتُ لِاسْتِي _أي: دُبري، ولم يقصدْ عُمر بضَرْبِه لأبي هُريرة إذايتَه، ولا ردَّ أمْرِ النَّبيِّ صلعم، وإنَّما رأى المصْلحةَ في عدَم التَّبْشير خَوْف الاتِّكالِ_ فقال: ارْجع يا أبا هُريرةَ.
          فرَجَعْتُ إلى رسولِ الله صلعم فأَجْهَشْتُ بُكاءً _أي: فزعتُ متغيَّر الوَجْه لأجْل البُكاءِ_ فأتى عُمر على أَثَرِي فقالَ لي ╕: «ما لَكَ يا أبا هُريرةَ!؟».
          قلتُ: لَقيْتُ عُمر، فأخْبَرْتُه بالذي بعَثْتَني بِه، فضربَ بين ثَدْيَيَّ ضَرْبةً خَرَرْتُ لِاسْتِي، فقالَ: ارْجِعْ!
          فقالَ رسولُ الله صلعم: «يا عُمرُ، ما حَمَلَكَ على ما فَعَلْتَ؟!».
          فقال: يا رسولَ الله، بأَبِي أَنتَ وأُمِّي، أَتَبْعَثُ أَبا هُريرةَ بما ذَكَر عَنْكَ؟ قال: «نَعَمْ»، قال: فلا يَفْعَلْ؛ فإنِّي أَخْشى أنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيها، فخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ.
          قال رسولُ الله صلعم: «فخَلِّهِمْ يَعْملوْنَ». انتهى.
          وقوله: (فَخَلِّهِمْ) ليسَ اعْتراضاً، وإنَّما هو منْ تَنْبِيه الإمام على ما يرى المنبّه أنَّه مَصْلحةٌ ليَرى الإمامُ رأْيَه في ذلك.
          والأظْهرُ أنَّ عُمر لم يسمَعْ حديثَ مُعاذٍ المتقدِّم بقَوله: «لا تُبشِّرْهُم، فيتَّكِلُوا»، فإنَّه مِن إلْهاماته النَّفسيَّة، ويكون سكوتُه ╕ عن ذلك اتِّكالاً على ما سبقَ بَيانُه في حديث مُعاذٍ.
          فالجوابُ: إنَّ الحديثَين متّفقانِ بالنِّسْبة لما استقرَّ عليه الأمْرُ في حديث أبي هُريرةَ.
          فإنْ قلْتَ: لم أذِنَ لأبي هُريرةَ ونهى مُعاذاً عنْه؟!
          ويجابُ بأنَّه أذِن لأبي هُريرة بتبْشِير قَوْمٍ مخصوصين، وهمُ النَّفَر الذين كانوا معَه وقامَ من عندهم لحاجتِه؛ ويدلُّ عليه قولُه: «مَنْ لَقِيْتَ وَراءِ هذا الحائِط».
          وأمَّا مُعاذٌ، فطَلَب التَّبْشيرَ على وَجْه العُموم، فلم يأذن لَه، وأشار لعلَّة ذلك بقولِه: «فيتكلوا».
          وهذا الاتِّكالُ إنَّما يُخشى وُقوعُه من العَوام لا من الخواصِّ، وإنَّما منعَ عُمَرُ أبا هُريرةَ من التَّبْشير _وإنْ كان للخواصِّ_ مَخافةَ أن يصِلَ للعَوَامِ.
          فإنْ قلتَ: قد جاءَ في الحديث أنَّ مُعاذاً أَخْبر بها بعد مَوْته!؟
          قلتُ: يحتمل أنَّه رأى النَّهْي عنِ التَّبشير إنَّما هو خوف الاتّكال، وخوفُ الاتِّكالِ إنَّما كان في بدءِ الأمْرِ، وأمَّا بَعْد رسوخ الدِّيْن وتقرُّر الشَّريعة، فقدِ انتفى الخوف المذْكور، فوجبَ عليه التَّبْليغُ.
          قوله: (فَيَتَّكِلُوا) بفتح التَّاءِ الفوقيَّة مُشدَّدة، منَ الاتِّكْالِ.
          وفي رِوايةٍ: «فيَنْكِلُوا»، بنُونٍ ساكنةٍ، وكسرِ الكافِ، وفي رِوايةٍ بضمِّها، منَ النُّكُوْلِ فيهِما.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: اسم الفَرَس والحِمار.
          أي: مشروعيَّة تسميتهما باسْمٍ خاصٍّ.


[1] عياض ذكره بالعين على الصواب في مشارق الأنوار 2/111.