حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: من لا يرحم لا يرحم.

          241- قولُه: (مَنْ لا يَرْحَمُ / لا يُرْحَمُ) [خ¦6013] الأوَّلُ بالبِناءِ للفاعِل، والثَّاني بالبناءِ للمَفْعولِ.
          و(مَنْ) يحتملُ أنْ تكونَ مَوصُولةً، فالفِعْلُ بَعْدها مَرْفُوعٌ.
          وأنْ تكونَ شَرْطيَّةً، فالفِعْلُ بعْدَها مَجْزُومٌ، أي: مَن لا يَرْحمُ في الدُّنيا الخلْقَ مِن مُؤمنٍ وكافرٍ وبَهائمَ مَملُوكَةٍ وغيرِها، ويدخلُ في الرَّحْمة التَّعاهُدُ بالإطْعام والسَّقْي والتَّخفيفِ في العملِ وتركِ التَّعدِّي بالضَّرْبِ.
          وقوله: (لا يُرْحَمُ) أي: في الآخِرة.
          وقالَ ابنُ أبي جَمْرةَ(1): يحتملُ أن يكونَ المعنى: مَن لا يَرْحم غيرَه بأيِّ نَوْعٍ من الإحسانِ لا يحصل له الثَّوابُ، كما قالَ تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:60].
          ويَحتملُ أنْ يكونَ المرادُ: مَن لا يكون فيْه رَحْمةُ الإيمانِ لا يُرْحم في الآخِرة، ومَن لا يَرْحم نفسَه بامْتثال أَوامرِ الله واجتنابِ نَواهِيْهِ لا يرحمه اللهُ؛ لأنَّه ليس له عِنْده عَهْدٌ، فتكونُ الرَّحْمةُ الأُولى بمعنى الأعْمال، والثَّانية بمعنى الجزاء، فلا يُثاب إلَّا مَن عمل صالِحاً.
          ويحتملُ أنَّ المرادَ بالرَّحْمة الأُولى الصَّدَقةُ، وبالثَّانية البلاءُ، والمعنى: مَن لا يتصدَّق لا يسْلَم من البلاءِ، أي: فلا يَسْلَم منَ البَلَاءِ إلَّا مَن تصَدَّق، أو مَن لا يرحمُ الرَّحْمة التي ليس فيها شائِبةُ أذىً لا يُرْحم مُطْلَقاً.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في البابِ السَّابقِ.


[1] كما في الفتح 10/440.