حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض

          264- قولُه: (يَعْرَقُ) [خ¦6532] بفَتْح الرَّاءِ، وبالقافِ، أي: بسبب تراكُم الأهْوال ودنوِّ الشَّمْسِ من رُؤوسِهم والازدِحام.
          قَولُه: (يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ) أي: يَجري سائلاً وسائحاً في الأرضِ.
          قوله: (سَبْعِيْنَ ذِرَاعاً) أي: بالذِّراع المُتعارَف.
          وفي رِوايةٍ: «سَبْعِيْنَ بَاعاً»، فيغوصُ في الأرض هذا العدَد.
          قوله: (ويُلْجِمُهُمْ) بضمِّ الياءِ التَّحتيَّة، وسكون اللَّامِ، وكسر الجيْمِ، مِن أَلْجَمَ.
          قوله: (حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ) ظاهرُ ذلك استواءُ النَّاس في وُصول العَرَقِ إلى الآذانِ، وهو مُشكلٌ؛ لأنَّ وُقوفَ النَّاسِ على أرْضٍ مُستويةٍ، ومعلُومٌ أنَّ في النَّاس الطَّويل والقَصِيْر، فيلزم أَلَّا يَسْتووا في بُلُوغِه إلى آذانهم؟
          وأُجِيْبَ بأنَّ المرادَ أنَّ غايةَ ما يصِلُ العَرَقُ بالنِّسْبة لبعضِ النَّاسِ هو الآذانُ، ولا يتجاوزه لما بعد ذلك.
          لكنْ وردَ في بَعْضِ الأحاديثِ(1): «يَشْتَدُّ كَرْبُ النَّاسِ في ذلك اليَوْمِ، حتَّى يُلْجِمَ الكافرَ العَرَقُ»، قيْلَ للمُصطفى: فأينَ المُؤمنون؟
          قال: «على كَراسيَّ مِنْ ذَهَبٍ، ويُظلَّلُ علَيْهمُ الغَمامُ».
          وفي حديثِ عُقْبةَ بنِ عامرٍ مَرفُوعاً(2): «فمِنْهُم مَّن يَبْلُغُ نِصْفَ ساقِه، ومِنهم مَّن يَبْلُغ رُكْبتَيْه، ومنْهُم مَّن يبلُغ خاصِرَته، ومنهُم مَّن يبلُغُ فاهُ، ومنهُم مّنْ يُغطِّيه عَرَقُه فيَضْرِبُ بيَدِه فَوْقَ رأْسِه».
          وذَكَر الشَّيْخُ ابنُ أبي جَمْرةَ(3): أنَّ العَرَقَ يعُمُّ النَّاسَ إلَّا الأنبِياء والشُّهداء ومَن شاءَ اللهُ، فأشدُّ النَّاس في العَرَقِ الكُفَّارُ.
          ثمَّ أصْحاب الكَبائر.
          ثمَّ من بعدهم من أصحابِ / الصَّغائرِ.
          وعن سلْمان، فيما أخْرجَه ابنُ أبي شَيْبةَ في «مُصنَّفِه»(4) _واللَّفظ لَه، بسَندٍ جيِّدٍ_ وابنُ المباركِ في «الزُّهْد»(5) قال: «تُعْطى الشَّمْسُ يَوْمَ القيامةِ حَرَّ عَشْرَ سِنين، ثُمَّ تَدْنو مِن جَماجِم النَّاسِ حتَّى تكونَ قابَ قَوْسَيْن، فيَعْرَقُونَ حتَّى يَرْشَحَ العَرَقُ في الأرض قامَةً، ثمَّ يرتفِعُ على الرِّجالِ».
          زاد ابنُ المباركِ(6) في رِوايةٍ: «ولا يَضُرُّ حَرُّها يومئذٍ مُؤمناً ولا مؤمِنةً».
          والمرادُ كما قال القُرطُبيُّ(7): مَن يكون كاملَ الإيمانِ، لما وردَ أنَّهم يتفاوَتون بذلك بحسَبِ أعمالِهم.
          وفي رِوايةٍ صحَّحَها ابنُ حِبَّانَ[7335]: «إنَّ الرَّجُلَ ليُلْجِمُه العَرَقُ يَوْمَ القِيامةِ حتَّى يقُول: يا رَبِّ، أَرِحْني ولَو إلى النَّارِ».
          وهذا الحديثُ ذكَره البُخاريُّ في باب: كيف الحشر(8).


[1] ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح 11/394 وعزاه للبيهقي في البعث... ولم أجده فيه          !
[2] المستدرك 8704.
[3] كما في الفتح 11/394.
[4] المصنف 32333، 35825.
[5] الزهد 347.
[6] الزهد 347.
[7] كما في الفتح 11/394، ولم أره في المفهم، نعم قال 7/156: كل إنسان بحسب عمله.
[8] في نسختي: في باب قول الله تعالى: ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون...