حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: كان النبي يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله

          27- قوله: (مَا اسْتَطَاعَ) [خ¦426] أي: مدَّة استطاعتِه، وبِه احترز عمَّا لا يُستطاع فيه التَّيمُّن.
          قوله: (فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ) من المعلومِ أنَّ التَّيمُّنَ يشرع في أُمورٍ غير هذه، ولا يشرع لأُمورٍ أُخَر؛ فقولُه: (في شَأْنِهِ كُلِّهِ) ليسَ على عُمومِه، فيخص بما هو من باب التَّكريم، فيدخل فيه نحوُ: لبسُ الثَّوبِ، والسَّراويلِ، والخفِّ، ودُخولُ المسجدِ، والصَّلاةُ على يمين الإمام، والأكْلُ، والشُّرْب، والاكْتحالُ، وتقليمُ الأظْفار، وقصُّ الشَّارب، ونتفُ الإبطِ، وحلْقُ الرَّأس، والخروجُ منَ الخلاء، وغير ذلك ممَّا في مَعْناهُ.
          وأمَّا ما كان من باب الإهانةِ فباليسارِ، كـ : دُخولِ الخلَاءِ، والخُرُوجِ من المسجد، والامتخاطِ، والاسْتنجاءِ، وخلْع الثَّوْب والسَّراويلِ وغير ذلك.
          وأمَّا ما ليس منهما فبِاليَسارِ على المعتمَد، كوَضْع المتاعِ.
          قوله: (في طُهُوْرِهِ) بضمِّ الطَّاء، أي: تطهيره الشَّامل للأصغر والأكْبر، فيبدأُ بالشّقِّ الأيمن في الغسل، وباليمين من اليدَين والرِّجْلَين في الوَضوء، فإنْ قدَّم اليُسرى كُره وَوضُوؤُه صحيحٌ، وأمَّا الكفَّان والخدَّان فَيُطَهَّرانِ دَفعةً واحدةً.
          وفي «سُنن أَبي داوُدَ»(1) مِن حديثِ أبي هُريرةَ مَرفُوعاً: «إذا توَضَّأْتُم فابْدؤوا بمَيَامِنِكُم».
          وما ذكر منْ أنَّ الطُّهُورَ بالضَّمِّ بمعنى التَّطْهير مخالفٌ لما ذكَره ابنُ عُصْفُوْرٍ؛ فإنَّه قال: المصادرُ الآتيةُ على وَزْن فَعُوْلٍ بالفَتْح خمسةٌ، وهي:
          القَبُولُ، والوَقُود، والوَلُوغ، والطَّهُور، والوَضُوءُ.
          زادَ ابنُ هِشامٍ: وما عداهُنَّ بالضَّمِّ كالدُّخُول والخُرُوجِ. انتهى.
          ومجيئُه بالضَّمِّ هو القياسُ. انتهى.
          وذكَرَ النَّوويُّ في «شَرْح مُسلم» ما يُفيد أنَّ ما وردَ من الكلمات على غير القياسِ يجوزُ فيه النطق بالقياسِ؛ وعلى هذا فيجوزُ ضمُّ أوَّلِ المصادِر الخمسة المذكورة.
          قولُه: (وَتَرَجُّلِهِ) أي: تسريحه الشَّعْر مِن الرَّأْس واللِّحْية، فيندب تقديمُ الجانبِ الأيمن منهُما.
          وقوله: (وَتَنَعُّلِه) أي: لبسه النَّعل، وخصَّ ما ذكر لكَثرة وُقُوعِه.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: التَّيمُّن في دُخول المسْجِد.


[1] 4141 بلفظ «وإذا توضأ فابدؤوا بأيا منكم».