إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث عائشة: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها

          4695- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ) بن أويسٍ، أبو القاسم القرشيُّ الأويسيُّ المدنيُّ الأعرج قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) بسكون العين، ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ الزُّهريُّ (عَنْ صَالِحٍ) هو ابن كيسان (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ) بن العوَّام (عَنْ عَائِشَةَ ♦ ) أنَّها (قَالَتْ لَهُ) أي: لعروة، وسقط لفظ «له» لأبي ذَرٍّ (وَهُوَ) أي: والحال أنَّه (يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ}[يوسف:110] قَالَ) أي: عروة: (قُلْتُ) لها: (أَكُذِبُوا) بتخفيف المعجمة المكسورة بعد ضمِّ الكاف(1) (أَمْ كُذِّبُوا) بتشديدها؟ (قَالَتْ عَائِشَةُ: { كُذِبُواْ}) مشدَّدةً، كما صُرِّح به في الثَّلاثة في رواية الإسماعيليِّ: تخفيفًا وتشديدًا، قال عروة: (قُلْتُ‼) لها: (فَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ، فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ، قَالَتْ) أي: عائشة: (أَجَلْ) تعني(2): نعم (لَعَمْرِي لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ) ولم يظنُّوا، قال عروة: (فَقُلْتُ لَهَا: {وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ}[يوسف:110]؟) بالتَّخفيف، فردَّت عليه حيث(3) (قَالَتْ: مَعَاذَ اللهِ، لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا) وهذا ظاهره(4) أنَّها أنكرت قراءة التَّخفيف؛ بناءً على أنَّ الضَّمير للرُّسل، ولعلَّها لم تبلغها، فقد ثبتت متواترةً في قراءة الكوفيِّين في آخرين، ووُجِّهت بأنَّ الضَّمير في {وَظَنُّواْ} عائدٌ على المرسَل إليهم؛ لتقدُّمهم في قوله: { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}[يوسف:109] والضَّميران(5) في {أَنَّهُمْ} و {كُذِبُواْ} على الرُّسل، أي: وظنَّ المرسَل إليهم أنَّ الرُّسل قد كُذِبوا، أي: كذَّبهم مَن أُرسِلوا إليه بالوحي وبنصرهم عليهم، أو أنَّ الضَّمائر كلَّها ترجع إلى المرسل إليهم، أي: ظنَّ المرسَل إليهم أنَّ الرُّسل قد كذَّبوهم فيما ادَّعوا من النُّبوَّة، وفيما يوعِدون به مَن لم يؤمن من العقاب، أو كذَّبهم المرسَل إليهم بوعد الإيمان، وقول الكِرمانيِّ: لم تنكر عائشة القراءة، وإنَّما أنكرت التَّأويل خلاف الظَّاهر، قال عروة: (قُلْتُ) لها: (فَمَا هَذِهِ الآيَةُ؟ قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ) أي: وصدَّقُوا الرُّسل (فَطَالَ عَلَيْهِمُ البَلَاءُ، وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ حَتَّى إذا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَظَنَّتِ الرُّسُلُ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ) فالضَّمائر كلُّها على قراءة التَّشديد عائدةٌ على الرُّسل، أي: وظَنَّ(6) الرُّسل أنَّهم قد كذَّبهم أممهم فيما جاؤوا به؛ لطول البلاء عليهم (جَاءَهُمْ نَصْرُ اللهِ عِنْدَ ذَلِكَ) وحصلت النَّجاة لمن تعلَّقت به مشيئته؛ وهم النَّبيُّ والمؤمنون، والظَّنُّ هنا بمعنى اليقين أو على حقيقته(7)؛ وهو رجحان أحد الطَّرفين.
          4696- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافعٍ قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمِ ابن شهابٍ أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عُرْوَةُ) بن الزُّبير (فَقُلْتُ) أي: لعائشة(8): (لَعَلَّهَا {كُذِبُواْ}[يوسف:110] مُخَفَّفَةً؟ قَالَتْ: مَعَاذَ اللهِ... نحوه) أي: فذكرت نحو حديث صالح بن كيسان، وقد ساقه المؤلِّف مختصرًا، وأورده أبو نُعيمٍ في «مستخرجه» تامًّا، ولفظه عن عروة: أنَّه سأل عائشة... فذكره نحو السَّابقة.


[1] «المكسورة بعد ضمِّ الكاف»: سقط من (د).
[2] في (م): «أي»، وزيد في (د).
[3] في (م): «ثمَّ».
[4] في (د) و(م): «ظاهرٌ».
[5] في (د) و(م): «والضَّمير».
[6] في (د): «وظنَّت».
[7] «أو على حقيقته»: ليس في (د) و(م).
[8] في (ب): «عائشة»، ولا يصحُّ.