إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله:{فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك}

          ░5▒ (باب قوله) جلَّ وعلا: ({فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ}) رسول المَلِك ليخرجه من السِّجن ({قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}) أي: سله / عن حقيقة شأنهنَّ؛ ليعلم براءتي عن تلك التُّهمة، وأراد بذلك حسم مادَّة الفساد عنه؛ لئلَّا ينحطَّ قدره عند الملك، ولعلَّ معظم غرضه ╕ أَلَّا يقع خللٌ(1) في الدَّعوة وإظهار النُّبوَّة، وقال: {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ} ولم يقل: فاسأله أن يفتِّش عن حالهنَّ؛ تهييجًا له على البحث وتحقيق الحال، ولم يتعرَّض لامرأة العزيز مع ما صنعت به كرمًا ومراعاةً للأدب، وعبَّر بـ {مَا} الَّتي يُسأل بها عن حقيقة الشَّيء ظاهرًا ({ إِنَّ رَبِّي}) العالم بخفيَّات الأمور ({بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}[يوسف:50]) حين(2) قلن: أطعْ مولاتَك، أو أنَّ كلَّ واحدةٍ منهنَّ طمعت فيه، فلمَّا لم تجد مطلوبها منه؛ طعنتْ فيه‼، ونسبتْه إلى القبيح، فرجع الرَّسول من عند يوسف إلى الملك، فدعا النِّسوة وامرأة العزيز، فلمَّا حضرن ({قَالَ}) لهنَّ ({مَا خَطْبُكُنَّ}) أي: ما شأنكنَّ ({ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ}[يوسف:51]) هل وجدتنَّ منه ميلًا(3) إليكنَّ؟ فنزَّهْنَه متعجِّباتٍ من كمال عفَّته؛ حيث ({قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ}[يوسف:50-51] وَحَاشَ) بغير ألفٍ بعد الشِّين (وَحَاشَا) بها لفظًا (تَنْزِيهٌ) فتكون اسمًا، ويدلُّ له قراءةُ بعضهم: ▬حاشًا لله↨ بالتَّنوين(4) (وَاسْتِثْنَاءٌ) وذهب سيبويه وأكثر البصريِّين إلى أنَّها حرفٌ بمنزلة «إلَّا» لكنَّها تجرُّ المستثنى، وقوله: ({حَصْحَصَ}) أي: (وَضَحَ) الحقُّ(5) بانكشاف ما يغمره؛ وهو معنى قول بعض المفسِّرين، وقيل: ظهر، من حصَّ شعره، أي: استأصل قطعه؛ بحيث ظهرتْ بشَرتُه، وهذا إنَّما قالته امرأة العزيز لمَّا علمت أنَّ هذه المناظرات والتَّفحُّصات إنَّما وقعت بسببها، وقيل: إنَّ النِّسوة أقبلن عليها يقرِّرنها، وقيل: خافت أن يشهدن عليها فاعترفت، وهذه شهادةٌ جازمةٌ لمَّا راعى جانبها ولم يذكرها ألبتَّة، فعرفتْ أنَّه ترك ذكرها تعظيمًا لها، فكافأته على ذلك، فكشفت الغطاء واعترفت أنَّ الذَّنب كلَّه من جانبها، وأنَّه كان مبرَّأً عن الكلِّ، وسقط «باب قوله» لغير أبي ذَرٍّ.


[1] في (د): «ذلك».
[2] في (د): «حيث».
[3] في (د): «وجدتنَّ مَيله».
[4] زيد في (د): «للأدب».
[5] «الحقُّ»: ليس في (د).