إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر}

          ░6▒ (باب قوله) ╡: ({وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ}) أي: وعلى اليهود ({حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ}) أي: لم يكن منفرج الأصابع مشقوقها، رواه ابن أبي حاتمٍ من طريق سعيد بن جُبيرٍ عن ابن عبَّاسٍ بإسنادٍ حسنٍ؛ وذلك لشؤم ظلمهم؛ لقوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ}[النساء:160] ({وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} الاية[الأنعام:146]) أي: الثُّروب؛ بالثاء المثلَّثة(1) المضمومة والراء آخره موحَّدة؛ وهو شحمٌ قد غَشِيَ الكَرِشَ والأمعاء رقيقٌ، وشحم(2) الكِلَى، وتَرَك البقرَ والغنم على / التحليل، لمُ يحرِّم منها إلَّا الشُّحوم الخاصَّة، واستثنى(3) من الشَّحم ما علقت(4) بظهورهما، أو ما اشتمل على الأمعاء؛ فإنَّه غير محرَّمٍ، وهو المراد بقوله: {أَوِ الْحَوَايَا} جمع حاويةٍ، أو حاوياء؛ كقاصِعاء وقواصِع، أو حَويَّة؛ كسفينة وسفائن، ومن عَطَف(5) على(6) {شُحُومَهُمَا} جعل {أَوْ} بمعنى الواو، فهي بمنزلة قولك: لا تُطِعْ زيدًا أو عَمْرًا أو خالدًا، أي: هؤلاء كلُّهم أهلٌ ألَّا يُطاع، فلا تُطِعْ واحدًا منهم، ولا تُطِعِ الجماعة، ومثله: جالسِ الحسنَ أو ابن سيرين أو الشَّعبيَّ، فليس المعنى: أَنِّي أمرتك بمجالسة واحدٍ منهم، بل المعنى: كلُّهم أهلٌ أن يُجالَس، فإن جالستَ واحدًا منهم؛ فأنت مصيبٌ، وإن جالستَ الجماعةَ؛ فأنت مصيبٌ، وقال ابن الحاجب: {أَوْ} في قوله: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}[الإنسان:24] بمعناها؛ وهو(7) أحد الأمرين، وإنَّما جاء التَّعميم من النَّهي الذي فيه معنى النَّفي؛ لأنَّ المعنى قبل وجود النَّهي فيهما: تطيع آثمًا أو كفورًا، أي: واحدًا منهما، فإذا جاء النَّهي ورد على ما كان ثابتًا في المعنى، فيصير المعنى: ولا تُطِع واحدًا منهما، فيجيء العموم فيهما من جهة النَّهي الدَّاخل، بخلاف الإثبات، فإنَّه قد يفعل أحدهما دون الآخر؛ وهومعنًى دقيقٌ، والحاصل: أنَّك إذا عطفتَ {أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} على {شُحُومَهُمَا} دخلت الثَّلاث تحت حكم النَّفي، فيحرم الكلُّ سوى ما استُثني منها(8)، وإذا عطفتَ على المستثنى؛ لم يَحْرُم سوى الشُّحوم، و{أَوِ} على الأوَّل للإباحة، وعلى الثَّاني للتَّنويع، قاله في «فتوح الغيب»، وسقط في رواية أبي ذرٍّ قوله: «{وَمِنَ الْبَقَرِ}...» إلى آخره‼، وقال بعد قوله: {ظُفُرٍ}: ”إلى قوله: {وِإِنَّا لَصَادِقُونَ}[الأنعام:146]“.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) فيما وصله ابنُ جريرٍ من طريق عليِّ بن أبي طلحة عنه(9) في تفسير قوله: ({كُلَّ ذِي ظُفُرٍ}: البَعِيرُ وَالنَّعَامَةُ) ونحوهما (الحَوَايَا: المَبْعَرُ) بفتح الميم، وصله ابن جريرٍ عن ابن عبَّاسٍ من طريق عليِّ بن أبي طلحة، وعبدُ الرَّزَّاق عن معمرٍ عن قتادة، وفي رواية أبي الوقت: ”المَبَاعر“ بالجمع، وكذا قاله سعيد بن جُبيرٍ فيما أخرجه ابن جريرٍ، وقال:(10) {الْحَوَايَا}: جمع حَويَّة؛ وهي ما تَحَوَّى واجتمع واستدار من البطن؛ وهو(11) بنات اللَّبن؛ وهي المباعر، وفيها الأمعاء (وَقَالَ غَيْرُهُ) غير ابن عبَّاسٍ في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ} ({هَادُواْ}[الأنعام:146]: صَارُوا يَهُودًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ) تعالى: { أَنَّا} ({أَنَّا}) { إِلَيْكَ} بالأعراف →الآية:156← فمعناه: (تُبْنَا. هَائِدٌ: تَائِبٌ) كذا نُقِل عن ابن عبَّاسٍ ومجاهدٍ وسعيد بن جُبيرٍ وغيرهم، وسقط قوله: «وقال غيره...» إلى آخره لأبي ذرٍّ.


[1] في (د): «بالمثلثة».
[2] في (ص): «وشحوم».
[3] في (د): «والمستثنى».
[4] في (ب) و(س): «علق».
[5] في (د): «عطفها».
[6] «على»: سقط من (ص).
[7] في (م): «أو»، وليس بصحيحٍ.
[8] في (د): «منه».
[9] «عنه»: سقط من (د).
[10] زيد في (ص): «في».
[11] في (د): «وهي».