حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر

          64- قوله: (سَأَلْتِ) [خ¦1233] وفي نُسخةٍ: (سَأَلَ).
          والحاصِلُ: إنَّ ابنَ عبَّاسٍ والمِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ وعبد الرَّحمن بنَ أَزْهَرَ ♥ أرْسلُوا كُرَيْباً مَولى ابنِ عَبَّاسٍ إلى عائشةَ ╦، فقالُوا لَه:
          أقْرئها منَّا السَّلام جميعاً، واسألها عنِ الرَّكْعتَين بعْدَ صلاةِ العَصْرِ، فقُل لَّها: إنَّا أُخْبِرْنا / أنَّك تُصلِّيهما، وقد بلَغَنا أنَّ النَّبيَّ صلعم يَنْهى عنهُما !؟
          فقالَ كُريْبٌ: فدخلْتُ على عائشةَ، فبلَّغتُها ما أَرسَلُوني، فقالَتْ _أيْ: عائشةُ_: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ؟ أي: عَن هذا الحكم، أي: فإنِّي لم يبلغني النَّهْي.
          فخَرَجْتُ إليهم، فأَخْبرتُهم بقَولها _أي: عائشة_ فرَدُّوني إلى أُمِّ سَلَمَةَ بمِثْلِ ما أَرْسَلُوني به إلى عائشةَ، فقالَتْ أُمُّ سَلمةَ: سمعْتُ النَّبيَّ... فذكَرَتِ الحديْثَ.
          قوله: (يَنْهى عَنْهُما) أي: عنِ الرَّكْعتَين.
          وفي بعض النُّسخ: «عَنْهَا»، أي: عن الصَّلاة.
          قوله: (يُصَلِّيْهِمَا) أي: الرَّكْعتَين.
          وفي بعضِ الرِّواياتِ بالإفْرادِ راجِعاً إلى الصَّلاةِ.
          قوله: (ثُمَّ دَخَلَ) أي: النَّبيُّ صلعم على أُمِّ سَلَمَةَ(1)، فصلَّى الرَّكعتَين بَعْدَ الدُّخولِ.
          قوله: (حَرَامٌ) بفتح الحاءِ والرَّاءِ المُهمَلتَين.
          قوله: (الجارِيَةَ) قال بعضُهم: لم أقِفْ على اسْمِها.
          وقيل: اسمُها رزين.
          وقيل: اسمُها زَيْنبُ.
          قوله: (فَقُوْلِي) وفي رِوايةٍ: «قُوْلِي» بحذفِ الفاءِ.
          وقوله: (تَقُوْلُ) أي: على سبيْل الاسْتفهام.
          قوله: (عَنْ هاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ) وفي رِوايةٍ: «عَنْ هاتَيْنِ»، أي: اللَّتَين صلَّيتهما الآن.
          قولُه: (فَلَّمَا انْصَرَفَ) أي: فَرَغَ من صلاتِه بالسَّلام.
          قوله: (يَا ابْنَةَ أَبي أُمَيَّةَ) المرادُ بها: أُمُّ سلمةَ.
          وأَبو أُميَّةَ كُنيةُ أَبِيها، واسمُه: سُهَيْلٌ.
          وقيل: حُذَيْفَةُ.
          وفي بعض الرِّواياتِ: «يَا بِنْتَ أَبي أُمَيَّةَ».
          قوله: (عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ) أي: اللَّتَين صلَّيتهما الآن(2).
          قوله: (أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ) وفي بعضِ الرِّواياتِ: «أُنَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ»، أي: مِنْ هذه القَبِيلة.
          زادَ في المغازِي [خ¦4370]: «بالإسْلامِ مِنْ قَوْمِهِم، فَشَغَلُوْنِي».
          وللطحاويِّ(3) مِن وَجْهٍ آخرَ: «قَدِمَ عليَّ قَلَائصُ منَ الصَّدَقةِ فنَسِيْتُهُما، ثمَّ ذَكَرْتُهما، فكَرِهْتُ أنْ أُصَلِّيَهما في المسْجِد والنَّاسُ يَرَوْن، فصَلَّيْتُهُما عِنْدَكِ».
          ولَه مِن وَجْهٍ آخرَ[1807]: «فَجَاءَنِي(4) مَالٌ فَشَغَلَنِي».
          وله من وجْهٍ آخَر[1805]: «قَدِمَ عليَّ وفْدٌ مِنْ بَني تَميْمٍ، أوْ جاءَتْني صَدَقَةٌ».
          وقوله: «مِنْ بَني تَميْمٍ» وَهَمٌ، وإنَّما هُم (مِنْ عَبْدِ القَيْسِ).
          وكأنَّهم حضروا معهم بمالِ المصالحة من أهْل البحرَيْن، لما وردَ من طرِيقِ ابنِ عُمَرَ وَابْنِ عَوْفٍ، أنَّ النَّبيَّ صلعم كانَ صالحَ أهلَ البَحْرَيْن، وأمَّرَ عليهم العَلَاءَ بن الحضْرَميِّ، وأرسلَ أبا عُبيدَةَ فأَتاهُ بجزيتِهم.
          قوله: (فَهُمَا هَاتَانِ) أي: الرَّكْعتان اللَّتان صلَّيتهما بعد العَصْرِ، فقد شغلت عن صلاتهما بعد الظُّهر، فصلَّيتهما الآن.
          ولم يزلْ صلعم يُصلِّيهما حتَّى ماتَ؛ لأنَّ منْ عادتِه صلعم أنَّه إذا صلَّى شيئاً لم يقطعْه أبداً فهما بعد اليوم الأوَّل من النَّفل المطْلق، وهذا مِن خصائصِ النَّبيِّ صلعم، فلا يجوز لأحدٍ غيره أن يفعل ذلك.
          وهذا الحديثُ يردُّ على مَن قالَ بعَدَمِ جوازِ قضاءِ النَّوافل؛ فإنَّه يدلُّ على جوازِه كما هو مذهبُ إمامِنا الشَّافعيِّ.
          وفي الحديث منَ الفوائدِ سوى ما مَضى:
          جوازُ استماع المصلِّي إلى كلام غيره وفهمه له، ولا يقدح ذلك في صلاتِه.
          وأنَّ الأدَبَ أنْ يقومَ المتكلِّمُ إلى جَنْبه، لا خَلْفه ولا أمَامه؛ لئلَّا يُشوِّش عليه بأنْ لا يمكنه الإشارة إليه إلَّا بمشقَّةٍ.
          وجواز الإشارة في الصَّلاة.
          وفيه البحث عَن علَّة الحكم وعن دليلِه.
          والتَّرغيبُ في عُلُوِّ الإسنادِ.
          والفحص عن الجمْع / بين المتعارضَين.
          وأنَّ الصَّحابيَّ إذا عملَ بخلاف ما رواهُ لا يكون كافياً في الحكم بنَسْخِ مَرْويه.
          وأنَّ الحكمَ إذا ثبتَ لا يزيله إلَّا شيءٌ مقطوعٌ به.
          وأنَّ الأصلَ اتباعُ النَّبيِّ صلعم في أفعالِه.
          وأنَّ الجليلَ من الصَّحابة قد يَخفى عليه ما اطَّلع عليه غيرُه.
          وأنَّه لا يُعْدَل إلى الفَتوى(5) بالرَّأي معَ وُجودِ النَّصِّ.
          وأنَّ العالِمَ لا نقص عليه إذا سُئل عمَّا لا يَدْري فوكَّل الأمْرَ إلى غيرِهِ.
          وفيه قَبولُ إخْبارِ الواحدِ، والاعتمادُ عليه في الأحْكام رجُلاً أوِ امرأةً؛ لاكتفاءِ أُمِّ سَلَمَةَ بإخْبارِ الجارِية.
          وفيه دَِلالةٌ على فِطْنةِ أُمِّ سَلَمَةَ وحُسنِ تأنِّيها بمُلاطفةِ سُؤالها، واهتمامِها بأمْرِ الدِّيْن، وكأنَّها لم تُباشر السُّؤال لأجْلِ النِّسْوة اللَّاتي كُنَّ عِنْدها.
          فيُؤخذ منه إكْرام الضَّيف واحْترامه.
          وفيه زيارة النِّساءِ المرأةَ ولو كان زوجُها عندها.
          والتَّنفُّل في البيت ولو كان فيه مَن ليس منهُم.
          وكراهةُ القُربِ من المصلِّي لغير ضرورةٍ، وتَرْكِ تفويت طَلَب العِلْم وإنْ طرأَ ما يشغل عنْه وجواز الاستنابة في ذلك.
          وأنَّ الوكيلَ لا يشترط أنْ يكون مثلَ موكِّلِه في الفَضْل، وتعليم الوكيل التَّصرُّف إذا كان ممَّن يجهل ذلك.
          وفيه الاستفهام بعد التَّحقُّق، لقولها: (وَأَرَاكَ تُصَلِّيْهِمَا).
          والمبادرة إلى معرفة الحكم المشكل فراراً من الوَسْوَسةِ، واللهُ أعلمُ.
          وهذا الحديثُ ذكَرَه البُخاريُّ في باب: إذا كلّم وهو يصلِّي فأشارَ بيده.


[1] في هامش الأصل: هي زوجته عليه الصَّلاة والسَّلام، واسمها هندٌ.
[2] قوله: «قوله: (فلما انصرف) أي: فرغ... صليتهما الآن» زيادة من «ز1» و«م»، وسقطت من الأصل.
[3] شرح معاني الآثار 1806.
[4] تحتمل هكذا في الأصل، وفي «ز1» و«م»: «فحال». والمثبت من المصادِر.
[5] كذا في الأصل، وفي «م»: القول.