حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد

          260- قولُه: (يَتْبَعُ) [خ¦6514] بفَتْحِ الياءِ التَّحْتيَّة أوَّله، وسُكون التَّاءِ الفوقيَّة، وفَتْح الباءِ الموحَّدة.
          وفي رِوايةٍ بتشديدِ الفوقيَّة، وكسرِ الموحَّدة.
          قوْله: (المَيِّتَ) وفي رِوايةٍ: «المُؤْمِنَ».
          وفي رِوايةٍ: «المَرْءَ»، وهيَ المشهورةُ.
          قوله: (فَيَرْجِعُ اثْنانِ) أي: من الثَّلاثةِ.
          قوله: (يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ) أي: غالِباً، ورُبَّ مَيِّتٍ لا يَتْبَعه أهلُه لكونه غَرِيباً مثَلاً.
          قوله: (وَمَالُهُ) كرقيقِه، وهو أمْرٌ غالبٌ أيضاً، فرُبَّ مَيِّتٍ لا يتبعه مالٌ.
          قوله: (وَعَمَلُهُ) أي: غالباً، وإلَّا؛ فقد يكون لا عمل له كالأطْفالِ.
          قوله: (فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ) أي: بعد دَفْنِه.
          قوله: (وَيَبْقَى عَمَلُهُ) أي: فيدخل معَه القَبْر، فقد وردَ(1) أنَّ عملَ الشَّخْص يأْتيه في صُورة رجُلٍ حَسَنِ الوَجْه، حسَنِ الثِّيابِ، حَسَن الرِّيْح، فيقول لَه: أَبْشِرْ بالذي يسُرُّكَ، فيقول: مَن أنتَ؟ فيقول: أنا عَمَلُكَ الصَّالحُ.
          ويأتي عملُ الكافرِ في صُورة رجُلٍ قَبِيحُ الوَجْه فيقول: أنا عملُك الخبِيْثُ.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: سكرات الموْتِ.
          ومُطابقةُ الحديث للتَّرجمة في قولِه: (يَتْبعُ الميِّتَ)؛ لأنَّ كلَّ ميِّتٍ يُقاسي سكرةَ الموتِ، فقد وردَ(2) أنَّ فاطمةَ قالت: وَاكَرْباهْ على أَبِي! فقال صلعم: «لا كَرْبَ على أَبِيْكِ بَعْدَ اليَوْمِ».
          وقد وردَ(3) أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «إنَّ للمَوْتِ لسَكَرَاتٍ»، أي: شدائد.
          وفي حديث جابرِ بنِ عبدِ الله مرفوعاً(4): «إنَّ طائفةً مِن بَني إسرائيلَ أتَوا مَقْبرةً من مقابرِهم فقالوا: لو صَلَّينا رَكْعتَين وسألنا اللهَ تعالى يُخرج لنا بعضَ الأمْواتِ يُخْبِرُنا / عنِ الموْتِ، ففَعلُوا.
          فبَيْنما هُم كذلك، إذْ طلَعَ لهم رجُلٌ مِن قَبْره أسود اللَّوْن خلا شيءٌ بين عَيْنَيه من أثَرِ السُّجُودِ فقال: يا هؤلاءِ ما أردْتُمْ إلَيَّ! لقد مِتُّ مُنْذُ مئة سنةٍ، فما سَكَنَتْ عَنِّي حَرارةُ الموْتِ إلى الآن».
          وعن مَكْحُولٍ(5)، عَن واثِلَةَ مَرفُوعاً: «والذي نَفْسي بيَدِهِ، لَمُعَايَنَةِ مَلَكِ الموْتِ أشدُّ مِنْ ألْفِ ضَرْبةٍ بالسَّيْفِ...» الحديثَ.
          فالموْتُ هو الخطبُ الأفْظَعُ، والأمْرُ الأشنعُ، والكأسُ التي طعْمُها أكره وأبشعُ.


[1] المسند 18557، المستدرك 107، ابن أبي شيبة 12185، عبد الرزاق 6737.
[2] ـه 1629، حبان 6613، 6622.
[3] الطبراني في الكبير 19032.
[4] أورده صاحب اتحاف الخيرة المحصرة 1834، وقال: رواه أبو بكر بن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى الموصلي بلفظ واحد بسند رجال ثقات.
[5] حلية الأولياء 5/186.