حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء

          231- قولُه: (المُتَشَبِّهِيْنَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ) [خ¦5885] أي: في الأقْوال اللَّيِّنةِ والأفْعالِ، كالمشي مَع تَكَسُّرٍ.
          قال الحافظُ القُرْطبيُّ: المعنى: لا يجوز للرِّجالِ التَّشبُّه بالنِّساءِ في اللِّباسِ والزِّينةِ التي تختصُّ بالنِّساءِ ولا العَكْس(1).
          قلتُ: وكَذا في الكلامِ والمشي، لكن لا يخفى أنَّ هَيئَةَ اللِّباسِ تختلفُ باخْتلافِ عادةِ كُلِّ بَلَدٍ، فرُبَّ قَوْمٍ لا يختلفُ زيُّ رِجالِهم من نِسائهم في اللُّبْسِ لكِن تمتاز النِّساءُ بالاحتجابِ والاستِتارِ.
          وقد وردَ في الحديْث(2): «لَعَنَ اللهُ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ المَرأَةِ، والمَرْأةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ».
          وفيه كما قالَ النَّوويُّ: حُرمة تَشبُّه الرِّجال بالنِّساءِ وعكْسِه؛ لأنَّه إذا حرِّم في اللِّباس فَفي الحرَكَاتِ والسكنات والتَّصنُّع بالأعضاءِ والأصوات أَولى بالذَّمِّ والقُبْحِ.
          ثمَّ إنَّ ذَمَّ التَّشبُّه بالكلامِ والمشي ممَّن تَعمَّدَ ذلك، وأمَّا مَنْ كان فيه ذلك من أصل خِلْقَتِه، فإنَّما يُؤمَرُ بتكلُّفِ تركِه والإدْمان على ذلك بالتَّدْريج، فإنْ لم يفعل وتَمادَى على ذلك دَخَلَه الذَّمُّ ولاسِيِّما إنْ بَدَا منْه ما يدلُّ على الرِّضا بِه.
          وأمَّا إطْلاقُ مَن أطْلَقَ كالنَّوويِّ / أنَّ المُخنَّثَ الخِلْقيَّ لا يتَّجهُ عليه اللَّومُ، فمحمولٌ على ما إذا لم يَقْدِر على تَرْكِه بَعْد مُعالَجةِ تَرْكِه، أمَّا مَن قَدِرَ على تركِ ذلك بالمعالجة ولو بالتَّدريج ولم يفعل فاللَّومُ لاحِقٌ لَه.
          والحِكْمةُ في لَعْن من تَشَبَّه إخراجُه الشَّيءَ عن الصِّفةِ التي وَضَعَها عليه أحْكَمُ الحاكِمين، وقد أشارَ إلى ذلك في لَعْن الواصِلاتِ بقولِه: «المُغَيِّراتِ خَلْقَ الله» [خ¦4886].
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: المتشبِّهين بالنِّساء والمُتشبِّهات بالرِّجالِ.


[1] كذا، ولعلها: وكذا العكس والنص في شرح ابن بطال 9/140 والفتح 10/332 وعزياه إلى الطبري وليس القرطبي.
[2] د 4098، س في الكبرى 9253، جم 8292.