حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إذا استجنح فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ

          176- قولُه: (اسْتَجْنَحَ اللَّيْلِ) [خ¦3280] بسِينٍ مُهمَلةٍ ساكِنةٍ، ففَوقيَّةٌ مفْتوحةٌ، فجِيمٌ ساكِنةٌ، فنُونٌ مفتوحةٌ، فحاءٌ مُهْملةٌ، أي: أقْبلَ ظلامُه ودخَلَ حِيْن تَغيْب الشَّمْسُ.
          وسقطَ لفظُ (اللَّيْلِ) لغَير أبي ذَرٍّ.
          قوله: (أَوْ كَانَ) شكٌّ من الرَّاوي، و(كَانَ) تامَّة، أي: حصلَ.
          ولأبي ذَرٍّ، عنِ الكُشْميهَنيِّ: «أَوْ قَالَ: كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ».
          قوله: (جُنْحُ اللَّيْلِ) بضمِّ الجيْمِ وكسْرِها، وسُكونِ النُّونِ، أي: طائفةٌ وقطعةٌ من اللَّيل.
          قوله: (فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ) أي: ضمُّوهم وامنعوهُم عنِ الانتِشار ذلك الوَقْت.
          قَوله: (فَإنَّ الشَّيَاطِيْنَ تَنْتَشِرُ حِيْنَئِذٍ) أي: حين إذْ أقبلَ جُنْحُ اللَّيل؛ لأنَّ حركتَهم في اللَّيل أمكنُ منها في النَّهار؛ لأنَّ الظَّلامَ أجمعُ للقوى الشَّيطانيَّة، وعند انتشارهم يتعلَّقون بما يمكنهم التَّعلُّق به؛ فلِهذا خيف على الصِّبْيان مِن إيذائهم.
          قوله: (فَحَلُّوْهُمْ) بالحاءِ المهْملةِ المضمومة، بابُه رَدَّ. «مُختار».
          ولأَبي ذَرٍّ، عَن الكشْميْهَنيِّ والمُسْتَمْلِيِّ: «فَخَلُّوْهُمْ»، بالخاءِ المعجمةِ المفْتوحةِ، وضمِّ اللَّامِ.
          قوله: (وَأَغْلِقْ بَابَكَ) بقَطْع الهمْزة.
          قالَ في «المُختار»: أَغْلَقَ البَابَ فهُو مُغْلَقٌ، والاسْمُ الغَلْقُ، وغَلَقَهُ لُغةٌ رَدِيْئةٌ مَتْرُوْكَةٌ. انتهى.
          وبالإفرادِ خِطابٌ لمفْردٍ، والمرادُ به كلُّ أَحَدٍ، فهو عامٌّ بحسبِ المعنى.
          قوله: (وَاذْكُرِ اسْمَ الله) أي: على البابِ حالة الغَلْقِ.
          وهذا هو السِّرُّ في مَنْع الشَّيْطان منَ الدُّخول.
          قوله: (وأَطْفِئْ) بقَطْع الهمْزةِ، أمْرٌ منَ الإطْفاءِ، خَوْفاً من الفُوَيْسِقَةِ وهي الفَأْرَةُ أنْ تجُرَّ الفَتِيْلَةَ فتُحْرِقُ البَيْتَ.
          وفي «سُنن أبي داوُد»[5247]، منْ حديْث ابنِ عبَّاسٍ: «جاءَتْ فَأْرةٌ فأخذَتْ تجرُّ الفَتيْلةَ، / فجاءتْ بِها وألقَتْها بين يدَي رسولِ الله صلعم على الخُمْرةِ التي كانَ قاعِداً عليها، فأحرقَتْ منْها مَوْضِع دِرْهَمٍ».
          قوله: (مِصْبَاحَكَ) هو عامٌّ يشملُ السِّراجَ وغيره.
          نعم؛ القِنْدِيْلُ المُعلَّقُ إنْ أمِنَ منْها لا بأس بعدم إطْفائه، لانتفاءِ العِلَّة.
          قوله: (وَأَوْكِ) بهمْزة القَطْع المفْتوحةِ.
          و(سِقَاءَكَ) بكَسْر السِّين والمَدِّ، أي: اشددْ فَم قِرْبتك بخَيطٍ أو غيره.
          قال في «المخْتار»: الوِكَاءُ ما يُشَدُّ بِه رَأْسُ القِرْبَةِ.
          وفي الحديث [خ¦2372]: «احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا»، وأَوْكَى على مَا في سِقَائِهِ: شَدَّهُ بالوِكَاءِ. انتهى.
          قوله: (وَخَمِّرْ) بالخاءِ المعْجَمةِ المفْتُوحة، والميْم المشدَّدة المكْسُورة، والرَّاءِ، أي: غَطِّ إناءَكَ صِيانةً منَ الشَّيْطانِ؛ لأنَّه لا يكْشِف غِطاءً.
          وفي تغطية الإناءِ _أيضاً_ أمْنٌ من الحشَرات وغيرها، ومنَ الوَباءِ الذي ينزل في ليلةٍ من السَّنَة؛ إذ وردَ أنَّه لا يمرُّ بإناءٍ ليس عليه غِطاءٌ أو شيءٌ ليس عليه وِكاءٌ إلَّا نزلَ فيه.
          وعنِ اللَّيثِ: والأعاجِمُ يتَّقونَ ذلك في كانُوْنٍ الأوَّل.
          قوله: (وَلَوْ أَنْ تَعْرُضَ) بفتْح أوَّلِه، وضمِّ الرَّاءِ وكَسْرِها.
          قالَ في «المخْتار» عَرَضَ العُوْدَ على الإناءِ والسَّيْفَ على فَخِذِهِ، مِنْ بابِ ضَرَبَ ونَصَرَ. [انتهى](1).
          وقوله: (عَلَيْهِ) أي: الإناء.
          وقولُه: (شَيْئاً) أي: عُوداً أو نحوه، أي: تجعله عليه عُرضاً بخلاف الطُّول إنْ لم تقْدِر على ما تغطيه به والأمرُ في كلِّها للإرْشادِ.
          وقد وقعَ اخْتلافٌ في هذا الحديث بتقديْمٍ وتأْخيرٍ في نُسخ المُصنِّفِ، والذي في نُسخ «البُخاريِّ» و«شَرْحِ القَسْطَلَّانيِّ» عليه هذا التَّرتيب، فينبغي تصليحُ النُّسخِ عليْه.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البُخاريُّ في باب: صِفة إبْليْس.


[1] ما بين الحاصرتَين منِّي.