إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

قوله:{عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن}

          ░5▒ (قوله: {عَسَى}) ولأبي ذرٍّ(1): ”بابٌ“ بالتنوين أي(2): في قوله تعالى: {عَسَى} ({رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ}) النَّبيُّ صلعم ({أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ}) خبر {عَسَى}، و{طَلَّقَكُنَّ} شرطٌ معترض بين اسم {عَسَى} وخبرها، وجوابه محذوفٌ أو متقدِّم، أي: إن طلَّقكنَّ فعسى...، وعسى من الله واجبٌ، ولم يقعِ التَّبديل لعدمِ وقوعِ الشَّرط ({مُسْلِمَاتٍ}) مقرَّات بالإسلامِ ({مُّؤْمِنَاتٍ}) مخلصاتٍ ({قَانِتَاتٍ}) طائعاتٍ ({تَائِبَاتٍ}) من الذُّنوب ({عَابِدَاتٍ}) متعبِّدات، أو متذلِّلات لأمرِ الرَّسول ╕ ({سَائِحَاتٍ}) صائماتٍ أو مهاجراتٍ ({ثَيِّبَاتٍ}) جمع: ثيِّب، مَن تزوَّجت ثمَّ بانت ({وَأَبْكَارًا}[التحريم:5]) أي: عذارى، وقوله: {مُسْلِمَاتٍ}... إلى آخره، إمَّا نعتٌ أو حالٌ أو منصوبٌ على / الاختصاصِ، والثَّيِّب: وزنها فيعِل، من ثابَ يثوبُ: رجع؛ لأنَّها ثابت بعد زوالِ عذرتها، وأصلها ثَيْوِب؛ كسيِّد وميِّت، أصلُهما: سيوِد وميوِت، فأُعِلَّ الإعلال المشهور(3). وقال الزَّمخشريُّ في «كشَّافه»: وأُخليتِ الصِّفات كلُّها عن العاطف، ووُسِّط بين الثيِّبات والأبكار؛ لأنَّهما صفتانِ متنافيتَان لا يجتمعْنَ(4) فيهما اجتماعهنَّ في سائرِ الصِّفات، فلم يكن بدٌّ من الواو. انتهى. وذهب القاضِي الفاضِل إلى أنَّ هذه الواو واو الثَّمانية، وتبجَّح باستخراجِها وزيادتها على المواضِع الثَّلاثة الواقعة في القرآنِ؛ وهي: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}[الكهف:22] وآية الزُّمر؛ إذ قيل: {فُتِحَتْ}[الزمر:71] في آية النَّار؛ لأنَّ أبوابها سبعة {وَفُتِحَتْ}[الزمر:73] في آية الجنَّة؛ إذ أبوابها ثمانية، وقوله: {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ}[التوبة:112] فإنَّه الوصفُ الثَّامن، قال ابنُ هشامٍ: والصَّواب أنَّ هذه الواو وقعت بينَ صفتينِ، هما تقسيمٌ لمن اشتمَل على جميعِ الصِّفات السَّابقة(5)، فلا يصحُّ إسقاطُها؛ إذ لا تجتمعُ الثُّيوبَة والبَكارة، وواو الثَّمانية عند القائلِ بها صالحةٌ للسُّقوط، ثمَّ إنَّ {أَبْكَارًا} صفة تاسعة لا ثامنة؛ إذ أوَّل الصِّفات {خَيْرًا مِّنكُنَّ} لا {مُسْلِمَاتٍ}، فإن أجاب: بأنَّ {مُسْلِمَاتٍ} وما بعدهُ تفصيلٌ لـ {خَيْرًا مِّنكُنَّ} فلهذا لم تعد قسيمةً لها؛ قلنا: وكذلك {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} تفصيل للصِّفات السَّابقة، فلا نعدهما معهنَّ.
          وفي «معجم الطَّبراني الكبير» عن بريدةَ قال: وعد الله نبيَّه صلعم في هذه الآية أن يزوِّجه بالثَّيِّب آسية امرأة فرعون، وبالبِكر(6) مريمَ ابنة(7) عِمران، وبدأ بالثَّيب قبل البكر‼ لأنَّ زمنَ آسية قبل مريم، أو لأنَّ أزواجَه ╕ كلهم ثيِّب إلَّا عائشة. قيل: وأفضلهنَّ خديجة، فالتَّقديم من جهةِ قبليَّة الفضل وقبليَّة الزَّمان؛ لأنَّه تزوَّج الثيِّب منهنَّ قبلَ البِكر، وفي حديثٍ ضعيفٍ عندَ ابنِ عساكرٍ عن ابنِ عبَّاس: أنَّ النَّبيَّ صلعم دخلَ على خديجَة، وهي في الموتِ فقال: «يا خديجَة؛ إذا لقيتِ ضرائِرك؛ فأقرئيهنَّ منِّي السَّلام» فقالت: يا رسول الله؛ وهل تزوَّجت قبلي؟ قال: «لا، ولكنَّ الله زوَّجني مريمَ بنت عِمران، وآسية امرأةَ فرعون، وكَلْثَمَ أخت موسَى». وروي نحوه بإسنادٍ ضعيفٍ من حديثِ أبي أمامَة عند أبي يَعلى، وسقط لأبي ذرٍّ قوله «{مُسْلِمَاتٍ}...» إلى آخره. وقال بعد {مِّنكُنَّ}: ”الآيةَ“.


[1] في (م) و(د): «هذا» بدل قوله: «قوله {عَسَى} ولأبي ذرٍّ».
[2] «أي»: زيادة من (ص).
[3] في (د) زيادة: «إلى آخره».
[4] في (د): «يجتمعان».
[5] قوله: «هما تقسيمٌ لمن اشتمل على جميع الصِّفات السَّابقة»: ليس في (د).
[6] في (ج) و(د): «والأبكار»، وفي (ص) و(م): «بالأبكار».
[7] في (ب) و(س): «بنت».