إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

قوله:{إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}

          ░4▒ (قوله: {إِن تَتُوبَا}) ولأبي ذرٍّ(1): ”بابٌ“ بالتَّنوين، أي: في قوله: {إِن تَتُوبَا} ({ إِلَى اللهِ}) خطابٌ لحفصَة وعائشة، وجواب الشَّرط ({فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}[التحريم:4]) / أي: فقَد وجدَ منكما ما يوجبُ التَّوبة، وهو ميلُ قلوبكُما عن الواجبِ من مخالصةِ(2) الرَّسول بحبِّ ما يحبُّه وكراهةِ ما يكرهه، يقال: (صَغَوْتُ) بالواو (وَأَصْغَيْتُ) بالياء، أي: (مِلْتُ) فالأوَّل ثلاثي، والثَّاني مزيد فيه ({وَلِتَصْغَى}) في قولهِ: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ}[الأنعام:113] أي: (لِتَمِيلَ) أو جواب الشَّرط محذوف، تقديره: فذاكَ واجبٌ عليكُما، أو فتابَ الله عليكما، وأطلق قلوب‼ على قلبينِ لاستثقالِ الجمع بين تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة، واختلف في ذلك، والأحسن الجمع ثمَّ الإفراد ثمَّ التَّثنية. وقال ابنُ عصفور: لا يجوزُ الإفرادُ إلَّا في الضَّرورة ({وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ}) بما يسوءه ({فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ}) ناصرُه، و{هُوَ} يجوز أن يكون فصلًا، و{مَوْلَاهُ} الخبرُ، وأن يكون مبتدأ و{مَوْلَاهُ} خبرُه، والجملة خبر «إنَّ» ({وَجِبْرِيلُ}) رئيسُ الكُروبيين ({وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}) أبو بكرٍ وعُمر، و{وَصَالِحُ} مفرد؛ لأنَّه كتب بالحاء دون واو الجمع، وجوَّزوا(3) أن يكون جمعًا بالواو والنون حذفت النون للإضافة، وكتب بلا واو(4) اعتبارًا بلفظه؛ لأنَّ الواو سقطت للسَّاكنين، كـ {يَدْعُ الدَّاعِ}[القمر:6] ({وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}[التحريم:4]) أي: (عَوْنٌ {تَظَاهَرُونَ}[البقرة:85]) أي: (تَعَاوَنُونَ) وقوله: {وَجِبْرِيلُ} عطف على محلِّ اسم «إنَّ» بعد استكمالِ خبرها، وحينئذٍ فـ {وَجِبْرِيلُ} وتاليه داخلان في ولايةِ الرَّسول ╕ ، وجبريلُ ظهيرٌ له؛ لدخولهِ في عمومِ الملائكة، و{الْمَلَائِكَةُ} مبتدأ، خبرُه {ظَهِيرٌ} ويجوزُ أن يكون الكلام تمَّ عند قولهِ: {مَوْلَاهُ} ويكون {وَجِبْرِيلُ} مبتدأ وما بعده عطف عليه، و{ظَهِيرٌ} خبره، فتختصُّ الوِلاية بالله، ويكون جبريل قد ذُكِر في المعاونة مرَّتين: مرَّة بالتَّنصيص ومرَّة في العموم، وهو عكسُ قولهِ: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ}[البقرة:98] فإنَّه ذكر الخاصَّ بعد العامِّ تشريفًا له، وهنا ذكر العامُّ بعد الخاصِّ، ولم يذكُر النَّاس إلَّا الأوَّل. قاله في «الدُّرِّ»، وسقط لأبي ذرٍّ من قوله: «صغوت...» إلى آخر(5) قوله: «{بَعْدَ ذَلِكَ}» ولغيره لفظ: ”باب“.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصلَه الفِريابيُّ في قولهِ تعالى: ({قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ}[التحريم:6]) أي: (أَوْصُوا أَنْفُسَكُمْ) بفتح الهمزة وسكون الواو بعدها صاد مهملة من الإيصاء (وَأَهْلِيكُمْ(6) بِتَقْوَى اللهِ وَأَدِّبُوهُمْ) ولغير أبي ذرٍّ: ”أوصُوا أهلِيكم بتقوَى الله وأدِّبوهم“.


[1] في (م) و(د): «هذا»، بدل: «قوله { إِن تَتُوبَا} ولأبي ذرٍّ».
[2] في (د) و(ص): «مخالفة».
[3] في (د): «وجوز».
[4] في (ص): «نون».
[5] قوله: «إلى آخر»: ليس في (ص).
[6] قوله: «أي: أوصوا أنفسكم... وأهليكم»: ليس في (د).