إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب:{فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا...}

          ░4▒ هذا (بَابٌ) بالتَّنوين، وهو ثابت في رواية أبي ذَرٍّ، ساقطٌ لغيره (قوله(1): {فَلَمَّا جَاوَزَا}) موسى وفتاهُ مَجْمَعَ البحرين ({قَالَ}) موسى ({لِفَتَاهُ}) يوشعَ: ({آتِنَا غَدَاءنَا}) ما نتعذى(2) به ({لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا}) قيل: لم يعنِ موسى في سفره(3) غير ما سَارَهُ مِنْ مَجمعِ البحرين، ويؤيِّدُه التقييدُ باسم الإشارة ({قَالَ}) يوشَعُ: ({أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ}) يعني: الصخرة التي رَقَدَ عندَها موسى ({فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ}[الكهف:62-63]) أي: نسيتُ أن أخبرَك بما رأيتُ منه، وسقط قوله: «{قَالَ أَرَأَيْتَ}» لأبي(4) ذرٍّ، وقال بعدَ {نَصَبًا}: ”إلى قوله: {عَجَبًا}“.
          ({صُنْعًا}) في قوله: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}[الكهف:104] أي: (عَمَلًا) وذلك لاعتقادهم أنَّهم على الحقِّ ({حِوَلًا}) في قوله: {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}[الكهف:108] أي: (تَحَوُّلًا) لأنَّهم لا يجدون أطيبَ منها، أوِ(5) المراد به تأكيد الخلود، وسقط قوله: «{صُنْعًا}...» إلى آخره لأبي ذرٍّ.
          ({قَالَ}) أي: موسى: ({ذَلِكَ}) أي: أمر الحوت ({مَا كُنَّا نَبْغِ}) بغير تحتيَّة بعد الغين، أي: نطلب؛ لأنَّه علامة على المطلوب ({فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا}[الكهف:64]) أي: يتَّبعان آثار مسيرِهما اتباعًا.
          ({إِمْرًا}) في قوله: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا}[الكهف:71] (وَ{نُّكْرًا}) في قوله: {لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا}[الكهف:74] معناهما(6): (دَاهِيَةً) وسقط قوله: «{إِمْرًا}» وواو «و{نُّكْرًا}» لأبي ذرٍّ(7) وقال أبو عبيدة: { إِمْرًا} داهية، و {نُّكْرًا} أي: عظيمًا، ففرَّق بينهما. /
          ({يَنقَضَّ}) بتشديد الضاد في قوله: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ}[الكهف:77] (يَنْقَاضُ كَمَا تَنْقَاضُ السِّنُّ) بألفٍ بعد القاف مع تخفيف الضاد المعجمة فيهما حكاه الحافظ شرف الدين اليونيني عن أئمة اللغة، قال: ونبهني عليه شيخُنا الإمام جمال الدِّين بن مالكٍ وقت قراءتي بين يديه، وهو الذي في «المشارق» للإمام أبي الفضل، ولأبي ذرٍّ _كما قاله البِرماويُّ والدمامينيُّ‼_: ”يَنْقَاضُّ“ بتشديد المعجمة فيهما، قال أبو البقاء: بوزن «يَحْمَارُّ» ومقتضى هذا التَّشبيه(8) أن يكون وزنه «يفعالُّ»، والألف قراءة الزهريِّ، قال الفارسيُّ: هو من قولهم: قضتُه فانقاض، أي: هدمتُه فانهدم، قال في «الدر»: فعلى هذا يكون وزنه «ينفعل»(9)، والأصل: انقيض، فأُبدلتِ الياءُ ألفًا، أي: فصار بعد الإبدال «انقاض»(10)، و«السِّنُّ»: بالسِّين المهملة المكسورة والنون، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”الشيء“ بالشين المعجمة والتحتيَّة الساكنة والهمزة بدل السن(11)، ومعنى {يَنقَضَّ}: ينكسر، و «ينقاض»: ينقلع(12) من أصله، وعن عليٍّ أنَّه قرأ: ▬ينقاص↨ بالصَّاد المهملة، قال ابن خالويه أي: انشقت طولًا(13).
          ({لَاتَّخَذْتَ}[الكهف:77]) بالتخفيف في قوله: {لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} (وَاتَّخَذْتَ) بالتَّشديدِ (وَاحِدٌ) في المعنى.
          ({رُحْمًا}) بضمِّ الرَّاء وسكون الحاء المهملة(14) في قوله: {وَأَقْرَبَ رُحْمًا}[الكهف:81] (مِنَ الرُّحْمِ) بضمٍّ فسكون؛ وهو الرحمة، قال رُؤْبَة:
يَا مُنزِلَ الرُّحْمِ عَلَى إدْريسا                     ومُنزِلَ اللَّعْنِ عَلَى إِبْلِيْسَا
وفي نسخة: ”مِن الرَّحِم“ بفتح فكسر (وَهْيَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنَ الرَّحْمَةِ) المفتوحة الراء التي هي رِقَّةُ القلب؛ لأنَّها تستلزمها غالبًا، من غير عكسٍ (وَنَظُنُّ) بالنون المفتوحة وضمِّ الظاء المعجمة، وفي نسخة: ”ويُظَنُّ“ بالتحتية المضمومة وفتح المعجمة مبنيًّا للمفعول (أَنَّهُ) أي: {رُحْمًا} مشتقٌّ (مِنَ الرَّحِيمِ) المشتقِّ مِنَ الرحمة (وَتُدْعَى مَكَّةُ) المشرَّفَةُ (أُمَّ) بنصب الميم (رُحْمٍ) بضمِّ فسكون (أَي: الرَّحْمَةُ تَنْزِلُ بِهَا) وفي حديث ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: «يُنزل الله في كل يوم على حجاج بيته الحرام عشرين ومئة رحمة؛ ستين للطائفين، وأربعين للمصلِّين، وعشرين للناظرين» رواه البيهقي بإسنادٍ حسن.


[1] «قوله»: ليس في (د).
[2] في (د): «نتغدى».
[3] في غير (د): «لم يعي موسى في سفرٍ».
[4] في (م) و(ب): «لغير أبي».
[5] في (م): «و».
[6] قوله: «معناهما»: ليست في (ص).
[7] قوله: «وسقط قوله: { إِمْرًا} وواو و { نُّكْرًا} لأبي ذرٍّ»، سقط من (م) و(د).
[8] في (م) و(ب): «التنبيه».
[9] في (د): «ينفعال»، وفي (م): «ينفعاء»، وفي (ج): «ينفعَل».
[10] «فصار بعد الإبدال انقاض»: مثبت من (ب) و(س).
[11] في (د) و(ص) و(م): «السين».
[12] في (د) و(م): «ينقطع».
[13] في (د) و(ص): «طويلًا».
[14] «المهملة»: ليس في (د) و(ص) و(م).