إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب:{وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين}

          ░2▒ هذا (بَابٌ) بالتَّنوين في قوله تعالى: ({وَإِذْ قَالَ مُوسَى}) نصبٌ بـ «اذكر» مقدَّرًا ({لِفَتَاهُ}) يوشع بن نون، وإنَّما قيل: فتاه لأنَّه كان يخدُمُه ويتبعه، أو كان يأخذُ منه العلمَ ({لَا أَبْرَحُ}) يجوزُ أن تكونَ ناقصةً فتحتاج إلى خبرٍ، أي: لا أبرح أسير، فحُذِفَ الخبر لدلالة حاله وهو السَّفر عليه، ولكن نصَّ بعضهم أنَّ حذف خبرِ هذا الباب لا يجوزُ ولو بدليلٍ إلَّا(1) لضرورةٍ، كقولِه:
لهَفَي عَلَيْك كلهفةٍ من خائفٍ                     يبغي جِوارَك حين لاتَ(2) مُجيرُ
ويجوزُ أن تكونَ تامَّةً فلا تحتاجُ إلى خبرٍ، والمعنى: لا أبرح ما أنا عليه؛ بمعنى: ألزمُ المسيرَ والطَّلبَ حتى أبلُغَ، كما تقول: لا أبرحُ المكان، قيل: فعلى هذا يحتاج إلى حذف مفعول به، فالحذف لا بد منه على التقديرينِ ({حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ}) المكانَ الذي وُعِدَ فيه موسى لقاءَ الخضر؛ وهو مُلتقى بحري فارس والرُّوم ممَّا يلي المشرق، وقولُ القرطبي وغيرُه من المفسِّرين والشُّرَّاح نقلًا عن ابن عبَّاس _المرادُ بـ {مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} اجتماعُ موسى والخضر؛ لأنَّهما بحرا عِلْمٍ، أحدُهما: في الشَّرعيَّات، والآخر: في الباطن وأسرار الملكوت_ غيرُ ثابتٍ‼، ولا يقتضيه اللفظ، ولا ينفي عن موسى عِلمَ أسرار الملكوت كما لا يخفى، وقد قال الزَّمخشريُّ: إنَّه مِن بِدَعِ التَّفاسير ({أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}[الكهف:60]) أي: (زَمَانًا) طويلًا (وَجَمْعُهُ: أَحْقَابٌ) أو(3) الحقبُ ثمانون سنة، أو سبعون، أو الدَّهر.


[1] في (ص): «لأن».
[2] في غير (ب) و(س): «ليس».
[3] في (ص): «و».