إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة

          4846- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ) بسكون العين، البصريُّ الباهليُّ قال: (أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ) عبد الله بنِ عون بنِ أرطبانَ(1) (قَالَ: أَنْبَأَنِي) بالإفراد (مُوسَى بْنُ أَنَسٍ) قاضي البصرةِ (عَنْ) أبيه (أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ☺ أَنَّ النَّبيَّ صلعم افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ) خطيبَ الأنصارِ، وكان قد قعدَ في بيتهِ حزينًا لمَّا نزلَ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الاية[الحجرات:2]. وكان من أرفعِ الصَّحابةِ صوتًا (فَقَالَ رَجُلٌ(2): يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَنَا أَعْلَمُ لَكَ) لأجلكَ (عِلْمَهُ) خبره، والرَّجلُ هو سعد بن معاذ، كما في «مسلم» لكن قال ابنُ كثيرٍ: الصَّحيحُ أنَّ حالَ نزولِ هذه الآية لم يكن سعد بن معاذٍ موجودًا؛ لأنَّه كان قد ماتَ بعد بني قريظةَ بأيَّامٍ قلائل سنةَ خمسٍ، وهذه الآية نزلت في وفدِ بني تميمٍ، والوفودُ إنَّما تواترُوا في سنةِ تسعٍ من الهجرةِ. قال في «الفتح»: ويمكن الجمعُ بأن الَّذي نزل في قصَّةِ ثابتٍ مجرَّد رفعُ الصَّوت، والذي نزلَ في قصَّةِ الأقرعِ أول السُّورةِ، وفي «تفسير ابن المنذر»: أنَّه سعدُ بن عبادةَ، وعند ابن جريرٍ: أنَّه عاصمُ بن عديٍّ العجلانيُّ‼ (فَأَتَاهُ) أي: فأتى الرَّجل ثابتَ بن قيسٍ (فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ) بكسر الكاف (فَقَالَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟) أي: ما حالكَ؟ (فَقَالَ) ثابتٌ حالي (شَرٌّ(3)، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبيِّ صلعم ) كان الأصل أن يقول: كنت أرفعُ صوتِي، لكنه التفتَ من الحاضرِ إلى الغائبِ (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ) لأنَّه كان يجهرُ بالقولِ بين يدي الرَّسول، وكان القياسُ: عملِي وأنَا (فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبيَّ صلعم فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: كَذَا وَكَذَا) للَّذي قالهُ ثابت (فَقَالَ مُوسَى) بنُ أنسٍ، بالإسناد السَّابق إلى ثابت(4): (فَرَجَعَ) الرَّجلُ المذكور (إِلَيْهِ) أي: إلى ثابتٍ (المَرَّةَ الآخِرَةَ) بمدِّ الهمزة (بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ) من الرَّسول (فَقَالَ) ╕ للرَّجل: (اذْهَبْ إِلَيْهِ) أي(5): إلى ثابتٍ (فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) زاد في رواية أحمد: قال: فكنَّا(6) نراهُ يمشِي بين أظهرنَا، ونحن نعلمُ أنَّه من أهل الجنَّةِ، فلمَّا كان يوم اليمامةِ كان فينا بعضُ الانكشافِ، فجاء ثابتٌ قد تحنَّطَ ولبس كفنهُ، وقاتلهم حتَّى قُتل، وهذا لا ينافِي ما روي في العشرة المبشَّرينَ بالجنَّةِ، لأنَّ مفهومَ العددِ لا اعتبارَ له فلا ينفِي الزَّائد.
          وهذا الحديث ذكره أواخر «علامات النبوَّة» [خ¦3613] وتفرَّد به من هذا الوجه.


[1] في (د): «أرطاة».
[2] في (د) زيادة: «من الأنصار».
[3] في (م): «شؤم» وكتب على هامشه: في نسخة: «شر».
[4] قوله: «إلى ثابت»: ليست في (د) و(م).
[5] قوله: «أي»: ليست في (ص) و(م).
[6] في (د): «وكنا».