إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله:{وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة}

          ░5▒ (باب قوله) سبحانه وتعالى: ({وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى}) { وَكَذَلِكَ}: خبرٌ مقدَّمٌ، و{أَخْذُ}: مبتدأٌ مؤخَّرٌ، والتَّقدير: ومثلُ ذلك الأخذِ _أي: أخذِ ربِّك(1) الأمم السَّالفة_ ‼ أخذُ ربِّك، و {إِذَا}: ظرفٌ ناصبه المصدر قبله، والمسألة من باب التَّنازع، فإنَّ الأخذ يطلب القرى، و {أَخْذُ} الفعل أيضًا يطلبها، فالمسألة من إعمال الثَّاني للحذف(2) من الأوَّل ({وَهِيَ ظَالِمَةٌ}) جملةٌ حاليَّةٌ ({ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}[هود:102]) وجيعٌ(3) صعبٌ على المأخوذ، وفيه تحذيرٌ عظيمٌ عن الظُّلم، كفرًا كان أو غيره، لغيره أو لنفسه(4)، ولكلِّ أهل قريةٍ ظالمةٍ.
          ({الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ}[هود:99]) قال أبو عبيدة: (العَوْنُ المُعِينُ) بضمِّ الميم وكسر العين، فسَّر {الْمَرْفُودُ} بالمعين، قال في «المصابيح»: وفيه نظرٌ، وقال البرماويُّ: والوجه: المُعَان، ثمَّ وجَّهه كالكِرمانيِّ: بأن يكون الفاعل فيه بمعنى المفعول، أو يكون من باب: ذي كذا، أي: عون ذي إعانةٍ، وفي نسخةٍ: ”المُعَان“ بالألف بدل المعين (رَفَدْتُهُ) أي: (أَعَنْتُهُ).
          وقوله تعالى: {وَلاَ} ({تَرْكَنُواْ}) { إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ}[هود:113] أي: لا (تَمِيلُوا) إليهم أدنى ميلٍ، فإنَّ الرُّكون هو الميل اليسير، كالتَّزيِّي بزيِّهم وتعظيم ذكرهم، أو لا ترضوا أعمالهم، روى عبد بن حميدٍ من طريق الرَّبيع بن أنسٍ: {لاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ} لا ترضوا أعمالهم، فمن استعان بظالمٍ؛ فكأنَّه قد(5) رضي بفعله، وإذا كان في الرُّكون إلى مَن وُجِدَ منه ما يُسمَّى ظلمًا هذا الوعيد الشَّديد، فما ظنُّك بالرُّكون إلى الموسومين بالظُّلم ثمَّ بالميل(6) إليهم كلَّ الميل، ثمَّ بالظَّلم نفسه(7) والانهماك فيه، أعاذنا الله من كلِّ مكروهٍ بمنِّه وكرمه.
          ({فَلَوْلاَ كَانَ}[هود:116]) أي: (فَهَلاَّ كَانَ) وهي في حرف ابن مسعودٍ، رواه عبد الرَّزَّاق، وسقط من «{تَرْكَنُواْ}...» إلى هنا لأبي ذَرٍّ.
          ({أُتْرِفُواْ}[هود:116]) أي: (أُهْلِكُوا) قال في «الفتح»: هو تفسيرٌ باللَّازم، أي: كان التَّرف سببًا لإهلاكهم.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}[هود:106]) الزَّفير: صوتٌ (شَدِيدٌ، وَ) الشَّهيق: (صَوْتٌ ضَعِيفٌ) وقال في «الأنوار»: الزَّفير: إخراج النَّفَسِ، والشَّهيق: ردُّه، وسقط لأبي ذَرٍّ قول ابن عبَّاس هذا... إلى آخره.


[1] في (ب) و(س): «الله».
[2] في غير (ب) و(س) وهامش (ل) من نسخة: «المحذوف من الأولى».
[3] في (ص): «وجميع»، وهو تحريفٌ.
[4] في (د): «نفسه».
[5] «قد»: ليس في (د).
[6] في (د): «الميل».
[7] في (د): «ثمَّ الظُّلم لنفسه».