إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

{ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه}

          ░1▒ ({أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ}) مضارعُ ثَنَى يَثْنِي ثنيًا، أي: طوى وانحرف، و {صُدُورَهُمْ}: مفعولٌ، والمعنى: يُحرفون صدورهم ووجوههم عن الحقِّ وقبوله ({لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ}) اللَّام‼ متعلِّقةٌ بـ {يَثْنُونَ} كما قاله الحوفيُّ وغيره، والمعنى: إنَّهم يفعلون ثني الصُّدور لهذه العلَّة، وقال الزَّمخشريٌّ ومن تبعه: متعلِّقةٌ بمحذوفٍ تقديره: ويريدون ليستخفوا من الله فلا يُطْلِع رسوله والمؤمنين على أزورارهم، ونظيرُ إضمار «يريدون» _لعود المعنى إلى إضماره_ الإضمارُ في قوله: {اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ}[الشعراء:63] معناه: فضرب فانفلق، لكن قال في «الدُّرِّ»: ليس المعنى الَّذي يقودنا إلى إضمار الفعل هناك كالمعنى هنا؛ لأنَّ ثمَّ لا بدَّ من حذف معطوفٍ عليه(1) يضطرُّ العقل إلى تقديره؛ لأنَّه ليس من لازم الأمر بالضَّرب انفلاقُ البحر / ، فلا بدَّ أن يُتَعقَّل «فضرب فانفلق» وأمَّا في هذه فالاستخفاء علَّةٌ صالحةٌ لثنيهِم صدورَهم، فلا اضطرار بنا إلى إضمار الإرادة، قال في «فتوح الغيب»: شبَّهه(2) بقوله: {اضْرِب بِّعَصَاكَ}[الشعراء:63] في مجرَّد إرادة التَّقدير؛ ليستقيم المعنى، ورُوِي عنه في «الحاشية»: ثَنيُ(3) الصَّدر بمعنى الإعراض إظهارٌ(4) للنِّفاق، فلم يصحَّ أن تتعلَّق به لام التَّعليل، فوجب إضمار ما يصحُّ تعلُّقها به من شيءٍ يستوي معه المعنى، فلذلك قدَّر: ويريدون ليستخفوا من الله، أي: يظهرون النِّفاقَ(5) ويريدون مع ذلك أن يستخفوا منه ({أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ}) يجعلونها أغشيةً وأغطيةً، والنَّاصب للظَّرف مضمرٌ، قدَّره في «الكشَّاف» بـ «يريدون» أي: يريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم كراهة أن يسمعوا القرآن، أو النَّاصب له قوله: ({يَعْلَمُ}) أي: ألا يعلم ({مَا يُسِرُّونَ}) في قلوبهم ({وَمَا يُعْلِنُونَ}) بأفواههم، فلا تفاوتَ في علمه بين سرِّهم وعلنهم ({إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[هود:5]) بأسرار ذوات الصُّدور.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي: غير عكرمة: ({وَحَاقَ}[هود:8]) أي: (نَزَلَ، يَحِيقُ: يَنْزِلُ، يَؤوسٌ: فَعُولٌ مِنْ يَئِسْتُ) بسكون السِّين (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَبْتَئِسْ}[هود:36]) بفوقيَّتَين مفتوحتَين بينهما موحَّدةٌ ساكنةٌ، أي: (تَحْزَنْ {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} شَكٌّ وَامْتِرَاءٌ فِي الحَقِّ {لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ}[هود:5]) أي: (مِنَ اللهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا).


[1] «عليه»: ليس في (د) و(ص) و(م).
[2] في (ص): «شبَّههم».
[3] في (م): «تثنى».
[4] في (د): «تُثنى الصُّدور بمعنى الإعراض؛ إظهارًا».
[5] قوله: «ويريدون ليستخفوا من الله؛ أي: يظهرون النِّفاقَ» سقط من (د).