إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

{و إلى مدين أخاهم شعيبًا}

          ░3▒ باب(1) ({وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}[هود:84]) أي: وأرسلنا (إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ) أخاهم شعيبًا (لأَنَّ مَدْيَنَ بَلَدٌ) بناه مَدْين(2) فسُمِّيَ باسمه، فهو على حذف مضافٍ (وَمِثْلُهُ) في ذلك: ({وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}[يوسف:82]) أي: (واسْأَلِ العِيرَ؛ يَعْنِي: أَهْلَ القَرْيَةِ وَالعِيرِ) ولأبي ذَرٍّ: ”وأصحاب العير“ وكان(3) أهل قرية شعيبٍ مطفِّفين، فأمرهم بالتَّوحيد أوَّلًا لأنه الأصل، ثمَّ أَن يوفوا حقوق النَّاس ولا ينقصوهم.
          ({وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا}[هود:92]) يريد قول شعيبٍ لمَّا قال له قومه: {وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ}[هود:91] {يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا}[هود:92] (يَقُولُ: لَمْ تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ) أي: جعلتم أمر الله خلف ظهوركم(4)، تعظِّمون أمر رهطي وتتركون تعظيم الله تعالى، ولا تخافونه (وَيُقَالُ إِذَا لَمْ يَقْضِ الرَّجُلُ حَاجَتَهُ) أي: حاجة زيدٍ مثلًا (ظَهَرْتَ بِحَاجَتِي) ولأبي ذَرٍّ: ”لحاجتي“ «باللَّام» بدل: «الموحَّدة»، كأنَّه استخفَّ بها (وَجَعَلْتَنِي) ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ(5): ”وجعلني“ بإسقاط الفوقيَّة (ظِهْرِيًّا) أي: خلف ظهرك (وَالظِّهْرِيُّ هَهُنَا: أَنْ تَأْخُذَ مَعَكَ دَابَّةً أَوْ وِعَاءً تَسْتَظْهِرُ بِهِ) عند الحاجة إن احتجت، لكنَّ هذا لا يصحُّ أن يفسَّر به ما(6) في القرآن، فحذْفُه(7) ههنا _كما لأبي ذَرٍّ_ أَوْجَهُ.
          ({أَرَاذِلُنَا}) يريد قول قوم نوحٍ ◙ : {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا}[هود:27] أي: (سُقَاطُنَا(8)) بضمِّ السِّين وتخفيف(9) القاف وهو الَّذي في «اليونينيَّة»(10) وفي بعضها: ”سقَّاطنا“ بتشديدها(11)، وفي نسخةٍ: ”أسقاطنا“(12) أي: أَخِسَّاؤنا، وهذا كُلُّه من قوله: «{وَإِلَى مَدْيَنَ}...» إلى هنا ثابتٌ للكشميهنيِّ فقط، وسقط لأبي ذَرٍّ قوله: «{أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}». /
          ({ إِجْرَامِي}) يريد قوله: {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي}[هود:35] (هُوَ مَصْدَرٌ مِنْ: أَجْرَمْتُ) بالهمزة (وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ)‼: من: (جَرَمْتُ) ثلاثيٌّ مجرَّدٌ، والمعنى: إن صحَّ أنِّي(13) افتريته، فعليَّ وبالُ إجرامي، وحيث لم يصحَّ؛ فأنا بريءٌ من نسبة الافتراء إليَّ، و {أَمْ} في قوله: {أَمْ يَقُولُونَ}[هود:35] منقطعةٌ تفيد الإضراب عن النُّصح، فيكون نسبة الافتراء إلى نوحٍ، وذهب بعضهم إلى أنَّه اعتراضٌ خوطب به النَّبيُّ صلعم ، وسقط لفظ «هو» الَّذي بعد {إِجْرَامِي} لأبي ذَرٍّ.
          ({الْفُلْكِ}) بضمِّ الفاء وسكون اللَّام (وَالفَلَكُ وَاحِدٌ) بفتحتَين، كذا في الفرع وأصله(14)، وفي نسخةٍ: ”الفُلْك والفُلَك“ بضمِّ الفاء فيهما، وإسكان اللَّام في الأوَّل وفتحها في الثَّاني، وفي نسخةٍ: ”الفَلَك والفُلْك“(15) بفتحتَين في الأولى(16) وبضمٍّ ثمَّ سكونٍ في الثَّانية(17)، ورجَّحه السَّفاقسيُّ وقال: الأوَّل واحدٌ، والثَّاني: جمعٌ؛ مثل: أَسَد وأُسْد، وفي أخرى: ”الفُلْك والفُلْك“ بضمٍّ ثمَّ سكونٍ فيهما جميعًا، وصوَّبه القاضي عياضٌ، والمراد: أنَّ الجمع والواحد بلفظٍ واحدٍ وفي التَّنزيل، في المفرد: {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}[يس:41] وفي الجمع: {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم}[يونس:22] (وَهْيَ السَّفِينَةُ) في الواحد (وَالسُّفُنُ) في الجمع، واللَّفظ وإن كان واحدًا لكنَّه مختلفٌ فيجب(18) التَّقدير، فضمَّة «فُلْك» للواحد كضمَّة قُفْل، وضمَّة «فُلْك» للجمع كضمَّة أُسْد.
          ({مَجْرَاهَا}) بضمِّ الميم يريد قوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا}(19)[هود:41] أي: (مَدْفَعُهَا) بفتح الميم، وفي بعض النُّسخ(20): ”موقفها“ بالواو والقاف والفاء، وعُزِيَ لرواية القابسيِّ، قال الحافظ ابن حجرٍ: وهو تصحيفٌ، لم أره في شيءٍ من النُّسخ، وهو فاسد المعنى (وَهْوَ) أي: مجراها(21) (مَصْدَرُ: أَجْرَيْتُ وَأَرْسَيْتُ) أي: (حَبَسْتُ، وَيُقْرَأُ) بالتَّحتيَّة، ولأبي ذَرٍّ: ”وتُقرأ“ بالفوقيَّة: (مَرْسَاهَا) بفتح الميم (مِنْ: رَسَتْ هِيَ) أي: السَّفينة، أي: ركدت واستقرَّت (وَ {مَجْرَاهَا}) بفتح الميم (مِنْ: جَرَتْ(22) هِيَ) وفتح الميمين؛ وهي قراءة المطوِّعيِّ عن الأعمش (وَ) يُقرأ أيضًا: (مُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا) بضمِّ الميم وياءٍ ساكنةٍ فيهما بدل الألف مع كسر الرَّاء والسِّين؛ وهي قراءة الحسن، والمعنى(23): اللهُ مجريها ومرسيها، وهي مأخوذةٌ (مِنْ: فُعِلَ بِهَا) بكسر ميم «مِن» وضمِّ فاء «فُعِل» مبنيًّا للمفعول، ولأبي ذَرٍّ: ”و▬مُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا↨(24)“ بضمِّ الميمين، وهي قراءة الحِرْمِيَّين والبصريِّ والشَّامي وأبي بكرٍ، وقرأ حفصٌ والأخوان: بفتح الميم في الأوَّل وضمِّها في الثَّاني، فالفتح من الثُّلاثيِّ والضَّمِّ من الرُّباعيِّ (الرَّاسِيَاتُ) ولأبي ذَرٍّ: ”{رَّاسِيَاتٍ}“ (ثَابِتَاتٌ) يريد قوله تعالى في سورة سبأ: {وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ}[سبأ:13] وذكْره استطرادٌ(25) لذكر {مُرْسَاهَا}.


[1] «باب»: ليس في (د).
[2] «مَدْين»: ليس في (د) و(ص) و(م).
[3] في (د): «وكانوا».
[4] زيد في (د): «لِمَ».
[5] «عن الكشميهنيِّ»: ليس في (د).
[6] «ما»: ليس في (ص).
[7] في غير (د): «فحذف».
[8] في (م): «أسقاطنا»، ولا يصحٌّ.
[9] في (د): «وتشديد».
[10] «وهو الذي في اليونينيَّة»: سقط من (د) و(م).
[11] في (د) و(م): «بتخفيفها».
[12] «وفي نسخةٍ أسقاطنا»: سقط من (د) و(م).
[13] في (د): «أن»، ولا يصحُّ.
[14] «وأصله»: ليس في (د).
[15] قوله: «بضمِّ الفاء فيهما... وفي نسخةٍ: الفَلَك والفُلْك» ليس في (م).
[16] في (ب) و(س): «الأوَّل».
[17] في (ب) و(س): «الثَّاني».
[18] في غير (د) و(م): «بحسب».
[19] زيد في (د): «{ؤمُرْسَاهَا}».
[20] في غير (د) و(م): «الأصول».
[21] «أي: مجراها»: ليس في (د).
[22] في (ص) و(م): «جريت».
[23] زيد في (د): «أنَّ».
[24] في (د): {ؤمُرْسَاهَا}.
[25] في (د): «استطرادًا».