الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان

          ░173▒ (باب: الحَرَبيِّ إذا دَخَلَ دار الإسْلَام بغَيْر أَمَان)
          أي: هل يجوز قتله؟ وهي مِنْ مسائل الخلاف. قال مالك: يتخيَّر فيه الإمام، وُحكمه حُكم أهل الحرب(1)، وقال الأوزاعيُّ والشَّافعيُّ: إن ادَّعَى أنَّه رسول قُبِل منه. وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يُقْبل ذلك منه، وهو فيءٌ للمسلمين، قاله الحافظ.
          قلت: وما حكى الحافظ [مِنْ] مذهب أحمد يخالفه ما قالَ الموفَّق إذ قال: فإن دخل بغير أمان سُئِل فإن قال: جئتُ رسولًا فالقول قوله لأنَّه تتعذَّر إقامةُ البيِّنة على ذلك، ولم تزل الرُّسُل تأتي مِنْ غير تقدُّم أمانٍ، إلى أن قال: وكذلك أيضًا_لم يُقبَل قولُه_ مدِّعي الرِّسالة إذا لم يكن معه رسالة يؤدِّيها أو كان ممَّن لا يكون مثلُه رسولًا. انتهى.
          وكذلك عندنا فيه تفصيل. قال ابن نجيم: ولو قال: أنا رسول، فإن وجد معه كتاب يُعرَف أنَّه كتاب مَلِكهم بعلامة تعرف ذلك كان آمنًا، وإن لم يعرف فهو زور، فيكون هو وما معه فيئًا... إلى آخر ما بسط في «الأوجز».
          التَّنبيه(2): قد ترجم الإمام أبو داود على حديث الباب (باب: الجاسوس المستأمن) مع أنَّه ليس في الحديث ذكر الاستئمان، والظَّاهر المطابق للحديث ترجمة الإمام البخاريِّ.
          وذكرت في «هامشي على البذل» توجيهًا لِما فعلَ الإمام أبو داود، فارجع إليه. ويستفاد مِنْ كلام العينيِّ وجه لترجمة الإمام أبي داود إذ قال: إنَّ العين المذكور في الحديث أوهمَ أنَّه ممَّن له أمان، فلمَّا قضى حاجته مِنَ التَّجسُّس انفتل مسرعًا، فعلموا أنَّه حربيٌّ دخل بغير أمان. انتهى.
          ثم هذا الخلاف المذكور إنَّما هو في الجاسُوس الحربيِّ الكافر، أمَّا لو كان الجاسُوس مسلمًا فهل يجوز قتله؟ مسألة خلافيَّة أيضًا، فذهب الإمام مالك ومَنْ وافقه إلى جواز قتله، فقد قال الحافظ: في حديث قصَّة حاطب بن / أبي بلْتَعة: واستدلَّ باستئذان عمر على قتل حاطب لمشروعيَّة قتل الجاسوس ولو كان مسلمًا، وهو قول مالك ومَنْ وافقه، ووجه الدِّلالة أنَّه صلعم أقرَّ عمر على إرادة القتل لولا المانعُ، وبيَّن المانعَ وهو كون حاطب شَهِد بدرًا، أو(3) هذا منتفٍ في غير حاطب، فلو كان الإسلام مانعًا مِنْ قتله لَما عُلِّل بأخصَّ منه. انتهى.
          وفي «البذل» في شرح حديث الباب، حديث سلمة بن الأكوع، قالَ النَّوويُّ: وفيه: قتل جاسوس الحربيِّ، وهو كذلك بإجماع المسلمين، وأمَّا الجاسوسُ المعاهدُ والذِّمِّيُّ فقال مالكٌ والأوزاعيُّ: يصير ناقضًا للعهد، فإن رأى استرقاقه أرقَّه، ويجوز قتله.
          وقال جماهير العلماء: لا ينتقض عهده بذلك، قال أصحابنا: إلَّا أن يكون قد شُرط عليه انتقاض العهد بذلك، وأمَّا الجاسوس المسلم فقال الشَّافعيُّ والأوزاعيُّ وأبو حنيفة وبعض المالكيَّة وجماهير العلماء⌠ يعزِّرُه الإمام بما يرى مِنْ ضربٍ وحبسٍ ونحوهما، ولا يجوز قتلُه، وقال مالك ⌂: يجتهد فيه الإمام، ولم يفسِّر الاجتهاد.
          وقال القاضي عياض: قال كبار أصحابه: يُقتل، قال: واختلفوا في تركه بالتَّوبة. قال ابن الماجِشون: إن عُرف بذلك قُتل وإلَّا عُزِّر. انتهى.
          وفي «هامشه»: حكى العينيُّ عن أبي حنيفة: يُحبس ويوجَع عقوبةً، وبه صرَّح محمَّد في «السِّير الكبير».


[1] في (المطبوع): ((لحربٍ)).
[2] في (المطبوع): ((تنبيه)).
[3] في (المطبوع): ((و)).