الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو

          ░129▒ (باب: كراهية السَّفر بالمصَاحِفِ إلى أرْضِ العَدُوِّ...) إلى آخره
          قال الحافظ: قوله: (وكذلك يروى...) إلى آخره، وصل رواية(1) إسحاق بن راهَوَيْهِ في «مسنده» عنه بلفظ: ((كره رسولُ الله صلعم أن يسافَر بالقرآن إلى أرض العدوِّ مخافة أن يناله العدوُّ)).
          قوله: (وقد سافر النَّبيُّ صلعم...) إلى آخره، أشار البخاريُّ بذلك إلى أنَّ المراد بالنَّهي عن السَّفر بالقرآن: السَّفرُ بالمصْحف خشية أن ينالَه العدوُّ لا السَّفر بالقرآن نفسه. انتهى.
          وكتب الشَّيخ في «اللَّامع»: أراد بإيراد الرِّوايات المتخالفة أنَّ الجواز مقيَّد بالأمن والنَّهيُ بغيره، ودلالة قوله: (وهم يعلِّمون القرآن) على مدَّعاه حسب قاعدتهم ظاهرة، فإنَّهم إذا علموا لا بدَّ لهم مِنْ تعليمه، والتَّعليم أعمُّ مِنَ التَّعليم حفظًا وكتابةً. انتهى.
          وفي «تقرير مولانا محمَّد حسن المكِّيِّ» قوله: (وهم يعلِّمون) أي: يقرؤون القرآن، والقراءة قد يكون مِنَ المصحف، وقد يكون مِنَ الحفظ، فثبت جواز السَّفر بالمصحف إلى أرض العدوِّ، لأنَّ الفعل يعمُّ عند البخاريِّ، أو هو (يعلِّمون) بالتَّشديد، والتَّعليم في زمن الصَّحابة غالبًا كان مِنَ المصحف، فثبت الجواز أيضًا. انتهى.
          ثم مسألة الباب خلافيَّة، قال الحافظ: قال ابن عبدِ البرِّ: أجمع الفقهاء ألَّا يسافَر بالمصحف في السَّرايا والعسكر الصَّغير المَخُوفِ عليه، واختلفوا في الكبير المأْمُون عليه، فمنع مالك أيضًا مُطْلقًا، وفصل أبو حنيفة، وأدار الشَّافعيُّ الكراهة مع الخوف وجودًا وعدمًا، وقال بعضهم كالمالكيَّة، ثمَّ ذكر الاختلاف في تعليم الكافر القرآن.
          وقال أيضًا تحت قول البخاريِّ: (وقد سافر النَّبيُّ صلعم...) إلى آخره عن المهلب: إنَّ مراد البخاريِّ بذلك تقوية القول بالتَّفرقة بين العسكر الكثير والطَّائفة القليلة، فيجوز في تلك دون هذه. انتهى.
          قلت: فعلى هذا ميل [الإمام] البخاريِّ إلى مسلك الحنفيَّة، وفي «الدُّرِّ المختار»: ((نُهِينا عن إخراج ما يجب تَعْظِيمه)) ويحرم الاستخفاف به، كمصحفٍ وكتبِ فقه وحديث. قال ابن عابدين خلافًا لقول الطَّحَاويِّ: إنَّ ذلك إنَّما كان عند قلَّة المصاحف كيلا تتقطَّع عن أيدي النَّاس، وأمَّا اليوم فلا يُكره، والبسط في «هامش اللَّامع». /


[1] في (المطبوع): ((روايته)).