الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر

          ░87▒ (باب: تَفَرُّق النَّاس عن الإِمَام...)
          حديث الباب ظاهر فيما ترجم له، قالَ القُرْطُبيُّ: هذا يدلُّ على أنَّه صلعم كان في هذا الوقت لا يحرسه أحد مِنَ النَّاس بخلاف ما كان عليه في أوَّل الأمر، فإنَّه كان يُحْرس حتَّى نزل قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67].
          قال الحافظ: لكن قد قيل: إنَّ هذه القصَّة سبب نزول قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] كما في رواية ابن أبي شيبة، فيحتمل إن كان محفوظًا أن يقال: كان مُخَيَّرًا في اتِّخاذ الحرس فَتَركه مرَّة لقوَّة يقينه، فلمَّا وقعت هذه القصَّة ونزلت هذه الآية ترك ذلك. انتهى مِنَ «الفتح».
          قلت: لم يتعرَّض الحافظ ولا غيره لغرض التَّرجمة.
          والأوجَهُ عندي أنَّه أشار بهذه التَّرجمة إلى الجواز لدفع ما يُتَوَهَّم مِنْ رواية أبي داود: ((إنَّ تَفَرُّقَكُم في الشِّعاب والأودية مِنَ الشَّيطان)) فقد أخرج الإمام أبي(1) داود في باب: ما يؤمر مِنِ / انضمام العسكر، عن أبي ثعلبة الخُشَنيِّ قال: كان النَّاس إذا نزلوا منزلًا_ قال عمرو كان النَّاس إذا نزل رسول الله صلعم منزلًا_ تفرَّقوا في الشِّعاب والأودية، فقال رسول الله صلعم: ((إنَّ تفرُّقكم في هذه الشِّعاب والأودية إنَّما ذلكم مِنَ الشَّيطان)) فلم ينزل بعد ذلك منزلًا إلَّا انضمَّ بعضهم إلى بعض حتَّى يقال: لو بُسط عليهم ثوب لعمَّهم، فحينئذ وقع التَّعارض بين ترجمتي الإمام البخاريِّ وأبي داود، وكذا بين الرِّوايتين، فيمكن أن يُجاب عنه بأنَّ المنع عن التَّفرُّق إنَّما هو عند ابتداء النُّزول لمصالح تقتضيه، كأن يكون جميع العسكر بمرأًى مِنَ الإمام ليُراقبهم ويُشَاورهم ونحو ذلك مِنَ الفَوائد، وأمَّا جواز التَّفرُّق فالمراد به التَّفرُّق بعد النزول مجتمعًا في وقت آخر للقيلولة(2) وغيرها مِنَ الحَاجَات، ولعلَّ الإمامَ البخاريَّ إليه أشار(3) بقوله في التَّرجمة: (عِنْد القائلة والاستظلال بالشَّجر) والله تعالى أعلم.


[1] في (المطبوع): ((أبو)).
[2] في (المطبوع): ((لقيلولة)).
[3] في (المطبوع): ((أشار إليه)).