الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من لم ير كسر السلاح عند الموت

          ░86▒ (باب: مَنْ لم يرَ كسر السِّلاح عند الموت)
          كأنَّه يشير إلى ردِّ ما كان عليه أهل الجاهليَّة مِنْ كَسْر السِّلاح، وعَقْرِ الدَّواب إذا مات الرَّئيس فيهم، وربما كان يَعْهَد بذلك لهم، ولعلَّ المصنِّف لمَّح بذلك إلى مَنْ نُقل عنه أنَّه كسر رُمْحَه عند الاصطدام حتَّى لا يَغْنَمَه العدوُّ أن لو قُتل وكسر جَفْن سيفه وضرب بسيفه حتَّى قتل كما جاء نحو ذلك عن جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة، فأشار إلى أنَّ هذا شيء فعله جعفر وغيره عن اجتهاد، والأصل عدم جواز إتلاف المال لأنَّه يفعل شيئًا محقَّقًا في أمر غير محقَّق. انتهى مِنَ «الفتح».
          وترجم الإمام أبو داود في «السُّنن»: باب: في الدَّابَّة تُعَرْقَب في الحرب، وذكر فيه فعل جعفر بن أبي طالب المذكور في كلام الحافظ المتقدِّم، وكتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع»: (باب: مَنْ لم ير...) إلى آخره، [أي]: يتوقَّف جوازه على تضمُّنه فائدة وإلَّا كان إسرافًا منهيًّا عنه. انتهى.
          قال الحافظ: زعم الكَرْمانيُّ أنَّ مناسبة الحديث للتَّرجمة أنَّه صلعم مات وعليه دَين ولم يبع فيه شيئًا مِنْ سلاحه، ولو كان رهن درعَه، وعلى هذا فالمراد بكسر السِّلاح بيعُه، ولا يخفى بُعده. انتهى.
          وكتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع»: قوله: (إلَّا سلاحه...) إلى آخره، فإنَّه لم يكسر سلاحه لأنَّه لم يتضمَّن فائدة، ولا كذلك إذا تضمَّن كسرُه منفعة معتدَّة كمن خاف وقوعه في أيدي العدوِّ أو مَنْ يخاف عنه على نفسه أو غيره، كصبيٍّ أو جنون(1)، أو كان فيه تهمة أو ولوث كما كان في فتنة الهند. انتهى.
          وقالَ القَسْطَلَّانيُّ: وفي إبقاء السِّلاح_كما قالَ ابن المنيِّر_ عنوانٌ للمسلم على إبقاء ذكره واستنماء أفعاله الحسنة الَّتي سنَّها للنَّاس، وعادته الجميلة الَّتي حمل عليها العباد بخلاف أهل الجاهليَّة ففي [فعلهم] ذلك إشارة إلى انقطاع أعمالهم وذهاب آثارهم. انتهى.
          قلت: ومطابقة الحديث للتَّرجمة على ما أفاده الشَّيخ قُدِّس سرُّه مِنْ غرض التَّرجمة أوفق ممَّا قاله الشُّرَّاح.


[1] في (المطبوع): ((مجنون)).