الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب دعوة اليهودي والنصراني وعلى ما يقاتلون عليه

          ░101▒ (باب: دَعْوَة اليَهُود والنَّصارى وعَلَى ما يُقَاتَلُون...) إلى آخره
          قال الحافظ: أي: إلى الإسلام، وقوله: (وعلى ما يقاتلون) إشارة إلى ما ذُكِر في الباب الَّذِي بعده عن عليٍّ حيث قال: (نُقَاتِلُهم حتَّى يَكُونُوا مِثْلَنا) وفيه أمْرُه صلعم له بالنُّزول بسَاحتهم ثمَّ دعائهم إلى الإسلام ثمَّ القتال، ووجهُ أخْذِه مِنْ حديثي الباب أنَّه صلعم كتب إلى الرُّوم يدعُوهم إلى(1) الإسْلام قبل أن يتوجَّه إلى مقاتلتهم، وقوله: (والدَّعْوَة قبل القتال) كأنَّه يشير إلى حديث ابن عَوْنٍ في إغارة النَّبيِّ صلعم على بني المصْطَلِق على غِرَّة، وهو مُتَخَرِّج عنده في كتاب الفتن. انتهى.
          وقالَ العَينيُّ بعد الحديث الأوَّل: للتَّرجمة أربعة أجزاء:
          الجزء الأوَّل: هو قوله: (دَعْوةِ اليَهُودِيِّ والنَّصْرَانيِّ) ووجه المطابقة فيه أنَّه صلعم دعا هِرَقل إلى الإسلام، وهو على دِين النَّصارى، واليهوديُّ ملحق به.
          والجزء الثَّاني: هو قوله: (عَلى مَا يُقَاتَلُون عَلَيْه) ووجه المطابقة فيه أنَّه صلعم أشار في كتابه أنَّ مراده أن يكونوا مثلنا، وإلَّا يقاتلون عليه، كما في حديث عليٍّ الآتي بعد هذا الباب، فقال: (نُقَاتِلُهم حتَّى يكونوا مثلنا).
          والجزء الثَّالث: هو قوله: (وما كَتَبَ إلى كِسْرَى وقَيْصَر) وهذا ظاهر.
          والجزء الرَّابع: هو قوله: (قبل القتال) فإنَّه صلعم دعاهم إلى الإيمان بالله وتصديق رسوله ولم يكن بينه وبينهم قبل ذلك قتال، فافهم، فإنَّه فتحٌ لي مِنَ الفيض الإلهيِّ، ولم يسبقني إلى ذلك أحد.
          وقال أيضًا قبل ذلك: وهذا أوجَهُ وأقرب إلى القَبُول مِنْ قول بعضهم في بيان المطابقة في بعض المواضع بين الحديث والتَّرجمة، أنَّه أشار بهذا إلى حديث خرجه فلان، ولم يذكره في كتابه. انتهى.
          قال الحافظ: قوله: (والدَّعْوَة قَبْل القِتَال) هي مسألة خلافيَّة، فذهب طائفة منهم عمر بن عبد العزيز إلى اشتراط الدُّعاء إلى الإسلام قبل القتال، وذهب الأكثر إلى أنَّ ذلك كان في بَدْءِ الأمر، قبل انتشار دعوة الإسلام، فإن وُجِد مَنْ لم تَبْلُغه الدَّعوة لم يُقَاتَل حتَّى يُدْعَى، نصَّ عليه الشَّافعيُّ، وقال مالك: مَنْ قربت داره قُتِل بغير دعوة لاشتهار الإسلام، ومَنْ بَعُدَت دارُه فالدَّعوة أقطعُ للشَّكِّ. انتهى.
          وقال الخَرَقيُّ: يُقَاتَل أهل الكتاب والمجوس ولا يُدعَون لأنَّ الدَّعوة قد بَلَغَتْهم، ويُدْعى عبدة الأوثان قبل أن يحارَبوا، قالَ الموفَّق: أمَّا قوله في أهل الكتاب والمجوس فهو على عمومه، لأنَّ الدَّعوة قد انتشرت وعمَّت، فلم يبقَ منهم مَنْ لم تبلغه إلَّا نادرٌ بعيد، وأمَّا قوله في عَبَدَة الأوثان فليس بعامٍّ، فمن بلغه الدَّعوة منهم لا يُدْعَون، / وإن وُجِد منهم مَنْ لم تَبْلُغه الدَّعوة دُعِي قبل القتال، وكذلك إن وُجد مِنْ أهل الكتاب. انتهى.
          ومذهب الحنفيَّة في ذلك كالجمهور كما [في] «الهداية» وغيره: ويُستحبُّ لمن بلغته الدَّعوة مبالغةً في الإنذار، ولا يجب، وبسط الكلام في «هامش اللَّامع» فارجع إليه.
          وقال الحافظ في فوائد الحديث: وفيه الدُّعاء إلى الإسلام بالكلام والكتابة، وأنَّ الكتابة تقوم مَقام النُّطق. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((إلا)).