الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما يذكر من شؤم الفرس

          ░47▒ (باب: مَا يُذْكَر مِنْ شُؤْمِ الفَرَس)
          أي: هل هو على عمومه أو مخصوص ببعض الخيل؟ وهل هو على ظاهره أو مؤوَّل؟ وقد أشار بإيراد حديث سهل بعد حديث ابن عمر إلى أنَّ الحصر الَّذِي في حديث ابن عمر ليس على ظاهره، وبترجمة الباب الَّذِي بعده، وهي (الخيل لثلاثة) إلى أنَّ الشُّؤم مخصوص ببعض الخيل دون بعض، وكلُّ ذلك مِنْ لطيفِ نظره ودقيق فكره. انتهى مِنَ «الفتح».
          ثم اختلفت الرِّوايات في إثبات الشُّؤم ونفيه، وكذا اختلفوا في وجُوه الجمع بينهما، وترجم الإمام البخاريُّ في كتاب النِّكاح (باب: ما يُتَّقَى مِنْ شُؤْمِ المَرْأَةِ).
          وكتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه هناك في «اللَّامع»: أشار بذلك إلى توجيه الجمع بين روايتي إثبات الشُّؤم للمرأة ونفيه عنها، بأنَّ الشُّؤْم المنفيَّ هو الشُّؤْم بمعنى النُّحُوسة، والمثبت هو بمعنى الإضْرَار والمخَالفة والعَداوة ظاهرةً كانت أو باطنة. انتهى.
          وفي «هامشه»: بسط الكلام على الحديث في «الأوجز» وفيه قال الحافظ: مال مالكٌ وابن قتيبة وغيرهما إلى ظاهره، وقال آخرون: المراد على شرط وجوده كما ورد في الرِّوايات، قال الحافظ: وقع في رواية الباب في البخاريِّ عن ابن عمر بلفظ: (إن كان في شيء) وهكذا في الرِّوايات الأخر الَّتي ذكرت في «الأوجز»، وهذه الرِّوايات / تقتضي عدم الجزم بذلك.
          قال الطَّحاويُّ في هذه الرِّوايات: (إن تكن في شيء) أي: لو كانت تكون في شيء لكانت في هؤلاء، فإذا لم تكن في هؤلاء الثَّلاث فليست في شيء.
          قال الحافظ: وقال آخرون: يُحمَل الشُّؤم على قلَّة الموافقة وسوء الطِّباع. انتهى.
          قلت: وأوجَهُ الأقوال عندي في ذلك ما أفاده الشَّيخ الكنكوهيُّ قُدِّس سرُّه في «الكوكب الدُّرِّيِّ» إذ قال: وأصحُّ التَّأويلات فيه أنَّ الشُّؤم يراد به معنيان: الأوَّل: النُّحُوسة المطلقة.
          والثَّاني: اشتماله على ما يكرهه الطَّبيعة، ويُجتذب منه المشاقُّ، وكونه سببًا لِما يتنفر منه الطَّبيعة، فحيث نفى الشُّؤم أصلًا أو قال: لو كان الشُّؤم لكان في هذه الثَّلاثة، فالمراد هو المعنى الأولى، وحيث أثبته أراد الثَّاني. انتهى.
          وفي مكتوبات الشَّيخ المجدِّد السرهنديِّ قُدِّس سرُّه أنَّ النُّحُوسة كانت في الأيَّام قبل بعثته صلعم، فلمَّا بُعث النَّبيُّ صلعم رحمة للعالمين صارت كلُّها سواءً لا نُحُوسة فيها ولا شُؤْم. انتهى مِنْ «هامش فيض الباري».