إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من حدثك أن محمدًا رأى ربه فقد كذب

          4855- وبه قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) هو: ابنُ موسى الخَتِّي _بالخاء المعجمة والفوقية المشددة_ ‼ قال: (حَدَّثَنَا وَكِيعٌ) هو: ابنُ الجرَّاح بنِ مَلِيحٍ(1) الرُّؤاسيُّ _بِراءٍ مضمومة فهمزة مفتوحة فمهملة_ الكوفيُّ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ) الأحمَسيِّ مولاهم العجليِّ (عَنْ عَامِرٍ) الشَّعبيِّ (عَنْ مَسْرُوقٍ) هو: ابنُ الأجدعِ الهمدانيُّ أنَّه (قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ ♦ : يَا أُمَّتَاهْ) بضم الهمزة وتشديد الميم وبعد الفوقية ألف فَهَاءٌ ساكنة. قال في «الفتح»: والأصل: يا أمّ، والهاء للسكت، فأضيف إليها ألفُ الاستغاثَةِ، فأبدلت تاء ثمَّ زيدت هاء السَّكت بعد الألف (هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صلعم رَبَّهُ) ليلةَ الإسراءِ؟ (فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ) بفتح القاف وتشديد الفاء، أي: قامَ (شَعَرِي) فَزعًا (مِمَّا قُلْتَ) هيبةً من اللهِ، واستحالةً لوقوعِ ذلك في الدُّنيا، وليس هو إنكارٌ منها لجوازِ الرُّؤيةِ مطلقًا كقول المعتزلةِ، ولأبي ذرٍّ: ”ممَّا قلتهُ“ (أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلَاثٍ) أي: كيفَ يغيبُ فهمك عن ثلاثٍ؟ (مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ؟) في حديثهِ (مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلعم رَأَى رَبَّهُ) ليلةَ المعراج (فَقَدْ كَذَبَ) وعند مسلم: «فقد أعظمَ على اللهِ الفِرْيةَ» (ثُمَّ قَرَأَتْ) مستدلَّةً لذلك بطريقِ الاستنباطِ: ({لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام:103]) وفي «مسلم»: أنَّها سألت النَّبيَّ صلعم عن قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}[النجم:13] فقال: «إنَّما هو جبريلُ». وعند ابن مَرْدويه أنَّها قالت: يا رسولَ الله، هل رأيتَ ربَّكَ؟ فقال: «لا، إنَّما رأيتُ جبريلَ مُنهبطًا». واحتجاجُها بالآية خالفها فيه ابن عبَّاس، ففي التِّرمذيِّ عن عكرمةَ عنه قال: رأى محمَّدٌ ربَّه. قلتُ: أليس يقول الله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام:103] قال: ويحكَ، ذاكَ إذا تجلَّى بنورِهِ الَّذي هو نورُهُ، وقد رأَى ربَّه مرَّتين، فالمنفيُّ في الآية إحاطَةُ الأبصارِ لا مجرَّد الرُّؤية، بل في تخصيصِ الإحاطةِ بالنَّفي ما يدلُّ على الرُّؤية أو يشعرُ بها، كما تقول: لا تحيطُ به الأفهامُ، وأصلُ المعرفةِ حاصلٌ، ثمَّ استدلَّت أيضًا بقوله تعالى: ({وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ}[الشورى:51]) وأُجيب بأنَّ هذه الآية لا تدلُّ على نفي الرُّؤية مطلقًا، بل على أنَّ البشرَ لا يَرى الله في حالِ التَّكلُّمِ، فنفيُ الرُّؤيةِ مقيَّدٌ(2) بهذه الحالةِ دونَ غيرها.
          (وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ) صلعم (يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا}[لقمان:34]) / أي: تعملُ.
          (وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ) صلعم (كَتَمَ) شيئًا ممَّا أُمر بتبليغهِ(3) ولأبي ذرٍّ: ”أنَّه قد كتَم“ (فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} الاية[المائدة:67] وَلَكِنَّهُ) ╕ ، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”ولكن“ (رَأَى جِبْرِيلَ ◙ فِي صُورَتِهِ) له ست مئة جناحٍ (مَرَّتَيْنِ) مرَّةً بالأرضِ في الأفُقِ الأعلَى، ومرَّةً في السَّماءِ عند سِدْرةِ المُنتهى.
          وهذا الحديث أخرجه في «التَّفسير» [خ¦4612] و«التَّوحيد» [خ¦7531] مقطعًا، ومسلم‼ في «الإيمان»، والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ في «التَّفسير».


[1] في (د) و(س) و(م): «فليح».
[2] في (د): «يقيد».
[3] في (م): «تبليغه».