إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله:{ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض}

          ░4▒ (باب قَوْلِهِ) تعالى: ({وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}) النَّفخة الأُولى، وقرأَ الحسن بفتح الواو جمع: صورة، وفيه ردٌّ على ابن عطيَّة حيث قال: إنَّ الصُّور هنا يتعيَّن أن يكونَ القَرن(1)، ولا يجوز أن يكون جمع صُورة ({فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ}) خرَّ ميتًا أو مغشيًّا عليه ({ إِلَّا مَن شَاء اللهُ}) متَّصل، والمستثنى قيل: جبريلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ؛ فإنَّهم يموتونَ بعدُ، وقيل: حملةُ العرشِ، وقيل: رضوانٌ والحورُ والزَّبانيةُ، وقال الحسنُ: البارِي تعالى، فالاستثناءُ منقطعٌ، وفيه نظرٌ من حيث قوله: {مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ} فإنَّه لا يتحيَّزُ ({ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى}) {أُخْرَى} هي القائمةُ مقامَ الفاعلِ، وهي في الأصلِ صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: نفخةٌ أخرى، أو(2) القائم مَقامه الجار ({فَإِذَا هُم قِيَامٌ}) قائمونَ‼ من قبورِهم حالَ كونهم ({يَنظُرُونَ}[الزمر:68]) البعثَ، أو أمرَ الله فيهم، واختلفَ في الصَّعقة، فقيل: إنَّها غيرُ الموتِ؛ لقوله تعالى في موسى: {وَخَرَّ موسَى صَعِقًا}[الأعراف:143] وهو(3) لم يمُت، فهذه النَّفخةُ تورثُ الفزعَ الشَّديدَ، وحينئذٍ فالمراد من نفخِ الصَّعقةِ ونفخِ الفزعِ واحدٌ، وهو المذكورُ في النَّمل في قولهِ تعالى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ}[النمل:87] وعلى هذا فنفخُ الصُّورِ مرَّتان(4) فقط، وقيل: الصَّعقةُ الموتُ، فالمرادُ بالفزعِ كيدودةِ الموتِ من الفزعِ وشدَّة الصَّوتِ، فالنَّفخة ثلاث مرَّاتٍ: نفخةُ الفزعِ المذكورة في النَّمل، ونفخةُ الصَّعق، ونفخةُ القيامِ، وسقطَ «باب» لغير أبي ذرٍّ، وله: ”{ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى}...“ [الزمر:68] إلى آخره.


[1] في (م): «القران».
[2] في (ص): «و».
[3] في (د): «فهو».
[4] في (م) و(ص) و(د): «مرتين».