إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا...}

          ░3▒ (باب قَوله) ╡: ({وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا}) أي: القرآن ({هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ}) منزَّلًا ({فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء}) عقوبةً لنا على إنكاره، وفائدةُ قوله: {مِّنَ السَّمَاء} والأمطارُ لا تكون إلَّا منها المبالغةُ في العذاب؛ فإنَّها محلُّ الرحمة، كأنَّهم قالوا: بدِّل رحمتك النَّازلة من السَّماء بنزول العذاب منها، أو أنَّها‼ أشدُّ تأثيرًا إذا سقطت من أعلى الأماكن ({أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال:32]) بنوعٍ آخر، والمراد: نفي كونه حقًّا، وإذا انتفى كونه / حقًّا؛ لم يستوجب مُنكِرُه عذابًا، فكان تعليق العذاب بكونه حقًّا مع اعتقاد أنه ليس بحقٍّ كتعليقه بالمُحال في قولك: إن كان الباطلُ حقًّا فأمطِرْ علينا حجارةً(1)، وهذا من عنادهم وتمرُّدهم، روي أنَّ معاوية قال لرجلٍ من سبأ: «ما أجهل قومك حين ملَّكوا عليهم امرأة! فقال: أجهلُ من قومي قومُك حين قالوا: { إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء} ولم يقولوا: فاهْدِنا له» وروي(2) أنَّ النَّضر بن الحارث _لعنه الله_ لمَّا قال: { إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}[الأنعام:25] قال النبيُّ صلعم : «ويلك(3)! إنَّه كلام الله» فقال هو وأبو جهلٍ: {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ} وإسناده إلى الجمع إسناد ما فعله رئيس القوم إليهم، وثبت(4) «باب قوله» لأبي(5) ذرٍّ، وسقط له من قوله: «{عَلَيْنَا حِجَارَةً}...» إلى آخره، وقال بعد قوله: {فَأَمْطِرْ}: ”الآيةَ“.
          (قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ) سفيان في «تفسيره» روايةِ سعيد بن عبد الرَّحمن المخزوميِّ(6): (مَا سَمَّى اللهُ تَعَالَى مَطَرًا فِي القُرْآنِ إِلَّا عَذَابًا) أُورِدَ(7) عليه قوله تعالى: { إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ}[النساء:102] فإنَّ المراد به المطر قطعًا، ونسبة الأذى إليه بالبَلَل والوَحْل الحاصل منه لا يُخرِجه عن كونه مَطَرًا (وَتُسَمِّيه العَرَبُ الغَيْثَ؛ وَهْوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا}[الشورى:28]) وثبت قوله «{وَهُوَ الَّذِي}» في الفرع وسقط من أصله.


[1] زيد في (د): «من السماء».
[2] في (د): «ويروى».
[3] «ويلك»: ليس في (م).
[4] زيد في (د): «قوله».
[5] في (د): «لغير أبي»، وليس بصحيحٍ.
[6] في (ص): «الحضرميِّ»، وهو تحريفٌ.
[7] في (ب) و(م): «أوردوا».