إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا تخيروني من بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة

          4638- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) البِيكنديُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هو ابن عيينة (عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى) بفتح العين (المَازِنِيِّ) بالزَّاي والنُّون، الأنصاريِّ المدنيِّ (عَنْ أَبِيهِ) يحيى بن عمارة (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ☺ ) أنَّه (قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ) قيل: اسمه فِنْحَاص؛ بكسرالفاء وسكون النون وبعد الحاء المهملة ألفٌ فصادٌ مهملةٌ، وعزاه ابن بشكوال لابن إسحاق، وفيه نظرٌ(1) سبق في «الإشخاص» [خ¦2411] (إِلَى النَّبِيِّ صلعم قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ) بضمِّ اللَّام وكسر الطَّاء المهملة مبنيًّا للمفعول، و«وجْهُه»: رفعٌ، مفعولٌ نائبٌ عن الفاعل (وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ؛ إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ مِنَ الأَنْصَارِ‼ لَطَمَ في(2) وَجْهِي) وهذا يُضعِّف قول الحافظ أبي بكر بن أبي الدُّنيا: إنَّ الذي لطم اليهوديَّ في هذه القصَّة هو أبو بكرٍ الصِّدِّيق؛ لأنَّ ما في «الصَّحيح» أصحُّ وأصرح (قَالَ) ╕ : (ادْعُوهُ، فَدَعَوْهُ) فلمَّا حضر (قَالَ) ╕ مستفهِمًا منه: (لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟ قَالَ) الأنصاريُّ: (يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي مَرَرْتُ بِاليَهُودِ) الذي هذا كان فيهم (فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ)(3) في حلفه: (وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى البَشَرِ، فَقُلْتُ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”قلت“: (وَعَلَى مُحَمَّدٍ؟) زاد أبو ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”قال: فقلت: وعلى محمَّد؟“ (وَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ) من ذلك (فَلَطَمْتُهُ، قَالَ) ╕ ، ولأبي ذرٍّ: ”فقال“(4) على طريق التَّواضع، أو قبل أن يعلم أنَّه سيِّد ولد آدم: (لَا تُخَيِّرُونِي مِنْ بَيْنِ الأَنْبِيَاءِ) أو تخييرًا يؤدِّي إلى تنقيصٍ، أو لا تُقْدِموا على ذلك بأهوائكم وآرائكم، بل بما آتاكم الله من البيان، أو بالنَّظر إلى النبوَّة والرِّسالة، فإنَّ شأنهما لا يختلف باختلاف الأشخاص، بل كلُّهم في ذلك سواءٌ وإن اختلفت مراتبهم (فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ) قال الحافظ ابن كثيرٍ: الظاهر أنَّ هذا الصعق يكون في عَرَصات القيامة، يحصل أمرٌ يصعقون منه، اللهُ أعلم به، وقد يكون ذلك إذا جاء الرَّبُّ لفصل القضاء، وتجلَّى للخلائق الملك الدَّيَّان؛ كما صعق موسى من تجلِّي الرِّبِّ ╡؛ ولذا قال نبيُّنا صلعم : «فلا أدري أفاق قبلي أم جُوزي بنفخة(5) الطُّور(6)». انتهى. لكن في رواية عبد الله بن الفضل: «يُنَفخ في الصُّور، فيصعق من في السَّموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثمُ ينفَخ فيه أخرى فأكون أوَّل من بُعِثَ» [خ¦3414] / وهو معنى قوله هنا: (فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي) فيكون له فضيلةٌ ظاهرةٌ (أَمْ جُزِيَ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”جُوْزيَ“ بإثبات الواو (بِصَعْقَةِ الطُّورِ) فلم يصعق؟ لكن لفظ «يفيق» و«أفاق» إنَّما يُستَعمل في الغَشْي، وأمَّا الموت؛ فيقال فيه: بُعِثَ منه، وصعقة الطُّور لم تكن موتًا، ويُحتَمل أن يكون اللَّفظ على ظاهره، فيكون قاله قبل أن يعلم أنَّه أوَّل من تنشقُّ عنه الأرض، قال الداوديُّ: وقوله: «أوَّل من يُفيق» ليس بمحفوظٍ(7)، والصَّحيح: أوَّل من تنشقُّ عنه الأرض.


[1] زيد في (ب): «كما».
[2] «في»: ليس في (د).
[3] زيد في (س) و(ص): «أي».
[4] «ولأبي ذرٍّ فقال»: سقط من (د).
[5] في (ب) و(س): «بصعقة».
[6] في (د) و(ل): «الصُّور».
[7] في (د): «مخفوظًا».