مجمع البحرين وجواهر الحبرين

{لم يكن}

          ░░░98▒▒▒ سورة لم يكن
          مدنية، وقال ابن عباس: مكية.
          ({مُنفَكِّينَ} [البينة:1]: زائلين) أي: عن كفرهم وشكهم.
          (القيمة القائمة) قال أبو عبيد: عادلة أي: عن دين الجماعة. القيمة: العادلة.
          (أضاف الدين إلى المؤنث) أي: لأنه راجع إلى الملة والشريعة وقيل: الهاء فيه للمبالغة، وزعم الكوفيون أن القيمة هي الدين، ومجاز الآية وذلك دين القائمين فيه بالتوحيد.
          ثم ساق حديث أنس في قراءته ◙ على أبي من طرق عن قتادة عنه، وقد سلف في المناقب، في مناقبه الطريق الأولى منها وساق بعضها هنا عن أحمد بن أبي داود أبي جعفر المنادي، وصوابه محمد بدل أحمد، كما ساقه أبو نعيم وابن عساكر وغيرهما.
          قال ابن طاهر: روى عنه (خ) هنا حديثاً واحداً، وأهل بغداد يعرفونه بمحمد، وهذا الحديث مشهور من رواية محمد بن عبد الله بن أبي داود المنادي، ولما ذكره الخطيب من رواية محمد هذا في ((تاريخه)) قال: رواه (خ) عن ابن المنادي إلا أنه سماه أحمد، وسمعت هبة الله الطبري يقول: قيل: إنه اشتبه على (خ) فجعل محمداً أحمد وقيل: هما أخوان. وهو باطل ليس لأبي جعفر أخ فيما نعلم، أو لعل (خ) يرى أن محمداً وأحمد شيئاً واحداً.
          ووجه قراءة النبي صلعم على أبي ليتلقاها أبي من فيه تلقينا.
          وفي ((مستدرك الحاكم)) وقال: صحيح الإسناد من حديث زر بن حبيش عن أبي أنه ◙ قرأ بمكة: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة:1] وقرأ فيها: (إن ذات الدين عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية من يعمل خيرا فلن يكفره).
          ولأحمد من حديث علي بن زيد، عن عمار ابن أبي عمار عن أبي حبة البدري لما نزلت: {لَمْ يَكُنِ} قال جبريل لرسول الله صلعم: ((إن الله يأمرك أن تقرئها أبيًّا)) فقال له رسول الله صلعم: ((إن الله أمرني أن أقرئك هذه السورة)) فبكى وقال: يا رسول الله وقد ذكرت ثمة؟ قال: ((نعم)).
          ثم هذا الحديث ذكره (خ) بلفظين: أحدهما: ((إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لَمْ يَكُنِ})) ثانيهما: ((أن أقرأ عليك القرآن)) وفي ثالث: ((أن أقرئك القرآن)) قيل: معناه أقرأ عليك كما في الثانية.
          وبكاء أبي استحقاراً لنفسه وتعجباً وخشيةً، وهذا شأن الصالحين إذا فرحوا بشيء خلطوه بالخشية، وقد قيل: الفرح والسرور دمعته باردة ولذلك يقال: أقر الله عينه.
          قوله: (فذرفت عيناه) أي: الدمع بفتح الراء.
          قال والدي ⌂:
          قال تعالى: {ذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5] أي: دين الملة القائمة المستقيمة فالدين مضاف إلى مؤنث هي الملة والقيمة صفة فحذف الموصوف.
          قوله: (غندر) هو محمد بن جعفر والرجال كلهم بصريون، و(أبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة وشدة التحتانية (ابن كعب) الأنصاري أقرأ الصحابة، مات سنة ثلاثين، و(حسان بن حسان) / بالمهملة وتشديد السين المهملة وبالنون فيهما، الواسطي ثم البصري ثم المكي، و(همام) بن يحيى بصري أيضاً، و(أحمد بن أبي داود) أبو جعفر المنادى بلفظ الفاعل من المناداة بالنون والموحدة، قال ابن منده: بفتح الميم وسكون النون وبالمهملة المشهور عند البغاددة أنه محمد بن عبيد الله بن أبي داود وقال بعضهم: أحمد وهم من (خ) وأقول: (خ) أعرف باسم شيخه من غيره فليس وهماً.
          و(روح) بفتح الراء وإسكان الواو وبإهمال الحاء (ابن عبادة)، و(سعيد) هو (ابن أبي عروبة) بفتح المهملة وضم الراء وبالموحدة، و(ذرفت) بفتح الراء؛ أي: سال دمعها، فإن قلت: هاهنا قال أقرئك القرآن، وفي الحديث السابق: أقرأ عليك القرآن فما وجهه؟ قلت: القراءة عليه نوع من أقرأته وبالعكس.
          قال في ((الصحاح)): فلان قرأ عليك السلام وأقرأك السلام بمعنى، وقد يقال أيضاً: كان في قراءته قصور فأمر الله رسوله صلعم أن يقرئه على التجويد ويقرأ عليه ليتعلم منه حسن القراءة وجودتها فلو صح هذا القول كان اجتماع الأمرين القراءة عليه والإقراء ظاهراً.
          فإن قلت: ما وجه تخصيص هذه السورة؟ قلت: الله أعلم ولعله لما فيها من ذكر المعاش من بيان أصول الدين من التوحيد والرسالة وما ثبت به الرسالة من المعجزة التي هي القرآن وفروعه من العبادة والإخلاص وذكر معادهم من الجنة والنار وتقسيمهم إلى السعداء والأشقياء وخير البرية وشرهم وأحوالهم قبل البعثة وبعدها مع وجازة السورة فإنها من قصار المفصل.
          النووي: فيه فوائد منها استحباب القراءة على أهل الحذق والعلم وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه والمنقبة الشريفة لأُبي ☺ بقراءته صلعم، ولا نعلم أحداً من الناس يشاركه فيه وبذكر الله له في هذه المنزلة الرفيعة والبكاء للسرور والفرح بما يبشر الإنسان به، وأما استفساره بقوله: سماني فسببه أنه جوز أن يكون الله تعالى أمر النبي صلعم يقرأ على رجل من أمته ولم ينص عليه فأراد تحقيقه فيؤخذ منه الاستثبات في المحتملات.
          قال: واختلفوا في الحكمة في قراءته عليه والمختار أن سببها أن تستن الأمة بذلك في القراءة على أهل الفضل ولا يأنف أحد من ذلك وقيل: للتنبيه على جلالة أُبي وأهليته لأخذ القرآن عنه وكان يعدُّه رسول الله صلعم رأساً وإماماً في القرآن.
          الزركشي:
          والمعنى في قراءة النبي صلعم ({لَمْ يَكُن}) التحقيقُ بما فيها من قوله: {رَسُولٌ مِّنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً} [البينة:2].
          (أمرني أن أقرئك) قيل: معناه: أقرأ عليك لتوافق الرواية الأولى (فذرفت عيناه) بفتح الراء، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (أن أقرأ عليك) الحكمة في ذلك أن يتعلم أبي ألفاظه وصنعة أدائه ومواضع الوقوف، والحكمة في تخصيص هذه السورة أنها جامعة لأصول وقواعد ومهمات عظيمة وفي الحقيقة أبي القارئ لأنه المتعلم وإنما بكى سروراً واستضعافاً لنفسه عن تأهله لهذه النعمة، وقيل: بكى خوفاً من تقصيره / عن شكر هذه النعمة.
          أقول: ويحتمل أن تكون هذه جعلت خصيصة لأُبي فإن النبي صلعم كان جعل لغالب الصحابة خصائص فالصلاة خلف عبد الرحمن بن عوف، والصديقية لأبي بكر مع أن كل الصحابة كانوا مصدقين له ◙، والسر لحذيفة، والشهادة منه لشاهدين لخزيمة، وكونه حواريا للزبير ونحو ذلك.