مجمع البحرين وجواهر الحبرين

الحجرات

          ░░░49▒▒▒ سورة الحجرات
          مدنية، ونزلت بعد المجادلة، وقبل التحريم كما قاله السخاوي، والحجرات بضم الجيم وفتحها، ويجوز إسكانها ولم يقرأ به قال مجاهد: لا تقدموا الأنبياء برًّا على رسول الله حتى يقضي الله على لسانه.
          وقال ابن عباس: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة، وقال الضحاك: لا تقضوا دون الله ورسوله من شرائع دينكم وقراءة العامة بضم التاء وكسر الدال، وقرأ يعقوب بفتحها من التقدم، والأول من التقديم، ولا يؤخذ من هذا امتناع تعجيل الزكاة على الوجوب؛ لثبوته بالنص / ولا يحسن تأويله على الخصوصية بالقياس ولا على شدة الحاجة. وقال الحسن: ذبح قوم قبل صلاة يوم النحر فأمرهم أن يعيدوا، ونزلت هذه الآية وذكر في (خ) بعد: أنها نزلت في أبي بكر وعمر لما تماريا حتى ارتفعت أصواتهما.
          قوله: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ}الآية [الحجرات:2]
          {تَشْعُرُونَ}: تعلمون، ومنه سمي الشاعر.
          ثم ساق فيه حديثين:
          أحدهما: حديث نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخيران أن يهلكا... الحديث.
          قوله أخيراً: (قال ابن الزبير) يعلمك أن ابن أبي مليكة يرويه عنه، وبه ظهر اتصاله، فإنه لم يسمعهما أعني: الخيرين لصغر سنه عنه. وفي رواية له أخرى ذكرها بعد من طريق ابن جريج: أخبرني ابن أبي مليكة به أن عبد الله بن الزبير أخبرهم، فذكره.
          و(الخيران): بالخاء المعجمة، وتجوز بالمهملة أيضاً، و(يهلكا) قد أسلفناه بإثبات النون وقال ابن التين: وقع بغير نون، ونصبه بتقدير أن، ثم قال: وهي ثابتة عند أبي ذر.
          قوله: (ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني: أبا بكر) فيه أن الجد للأم يسمى أباً؛ وأغرب بعض الشراح فقال: يحتمل أنه أراد أبا بكر عبد الله بن الزبير بن العوام، أو أبا بكر عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، فإن أبا مليكة له ذكر في الصحابة عند أبي عمر وأبي نعيم، وقال أبو عمر: فيه نظر.
          والرجل الآخر هو القعقاع، وهو الذي أشار به الصديق كما صرح بعد في الرواية الأخرى فقال أبو بكر أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس. وهو: ابن معبد بن زرارة بن عديس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم.
          قال الكلبي في جامعه ((أنساب العرب)): كان يقال له لسخائه: تيار الفرات. قال ابن التين: وكان أرق من الأقرع؛ فلهذا أشار به الصديق.
          وجاء في رواية أنه لما نزلت الآية قال أبو بكر: والله لا أكلمك يا رسول الله، إلا كأخي السرار فكان بعد لا يبين كلامه له حتى يستفهم ولا شك أن رفع الصوت على صوته حرام لهذه الآية، وما ثبت في الصحيح أن عمر استأذن على رسول الله وعنده نساء من قريش يكلمنه عالية أصواتهن يحتمل أن يكون قبل النهي أو أن يكون علو الصوت كان بالهيبة الإجماعية لا بانفراد كل منهن.
          ومعنى قوله: {لَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} لا تخاطبوه يا محمد يا أحمد ولكن يا نبي الله يا رسول الله تكريماً له وتوقيراً وقيل له أي عليه كجهر بعضكم لبعض الكاف كاف التشبيه في محل النصب أي: لا تجهروا له جهراً مثل جهر بعضكم لبعض، وفيه دلالة أنهم عن الجهر مطلقاً حتى لا يشرع لهم أن يعلموه إلا بالهمس والمخافتة وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة وكره بعضهم رفع الصوت عند قبره وبعضهم رفع الصوت في مجالس العلماء تشريفاً لهم إذ هم ورثة الأنبياء(1).
          الحديث 2- حديث ابن عون أنبأني موسى بن أنس عن أنس أنه ◙ افتقد ثابت بن قيس فقال رجل يا رسول الله... الحديث.
          وجاء في غير هذا الموضع: نهانا الله أن نرفع أصواتنا وأنا جهير الصوت، ونهينا عن الخيلاء وأنا أحب الجمال، ونهينا عن الحسد، وما أحب أن يفوتني أحد بشسع نعلي، فقال له ◙: ((أما ترى أن تعيش حميداً وتموت شهيداً وتدخل الجنة؟)) فقتل فيمن خرجوا إلى مسيلمة، فكان هو على الأنصار، وخالد بن الوليد على الجيش كله.
          والبشارة بكسر الباء إذا أطلقت تكون للخير بخلاف النذارة.
          قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ} [الحجرات:4]
          فيه حديث ابن أبي مليكة السالف، وجاء في (م) أنه لما نزلت هذه الآية جلس ثابت بن قيس في بيته فقال أنا من أهل النار وأخبر عن رسول الله سعد بن معاذ وساق الحديث.
          وينبغي أن يعلم أن هذه الآية نزلت في بني تميم في المحرم سنة تسع وقيل: سعد في الخندق سنة خمس فليتأمل ذلك.
          قال والدي ⌂:
          قال تعالى: ({لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ}) [الحجرات:1] أي: لا تقتاتوا أي: لا تستقوا / ، وقال: ({وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}) [الحجرات:11] أي: لا تدعوا بالكفر بعد الإسلام.
          قوله: (يسرة) بفتح التحتانية والمهملة وبالراء ابن صفوان بن جميل ضد القبيح اللخمي بسكون المعجمة الدمشقي، و(نافع) ابن عمر الجمحي بضم الجيم وفتح الميم وبالمهملة، و(عبد الله) ابن أبي مليكة مصغر الملكة القاضي على عهد ابن الزبير.
          فإن قلت: أهذا الحديث من الثلاثيات أم لا؟ قلت: لا إذ عبد الله تابعي لا صحابي وهو من المراسيل.
          قوله: (الخيرات) بتشديد التحتانية المكسورة أي: الفاعلات للخير الكثير (يهلكان) وفي بعضها بدون النون وحذف النون بلا ناصب وجازم لغة وأشار عمر بأن تفويض الإمارة إلى الأقرع بالقاف والراء والمهملة ابن حابس بالمهملتين والموحدة المكسورة (أخي بني مجاشع) بلفظ فاعل المجاشعة بالجيم والمعجمة والمهملة، وأشار أبو بكر بالتفويض إلى القعقاع بفتح القافين وسكون المهملة الأولى، و(ابن الزبير) هو عبد الله وأطلق الأب على الجد؛ لأن أبا بكر هو أبو أم عبد الله يعني أسماء.
          قوله: (أزهر) بلفظ أفعل التفضيل من الزهر بالزاي والهاء والراء، ابن سعد البصري الباهلي، و(عبد الله بن عون) بفتح المهملة وبالواو وبالنون، و(ثابت) ضد الزائل ابن قيس الأنصاري.
          فإن قلت: القياس أن يقول أنا أعلم لك حاله لا علمه؟ قلت: هو مصدر مضاف إلى المفعول أي: أعلم لأجلك علماً متعلقاً به.
          فإن قلت: وهذا صريح في أنه من أهل الجنة فما معنى قولهم العشرة المبشرة؟ قلت: مفهوم العدد لا اعتبار له ولا ينفي الزائد والمقصود من العشرة الذين قال فيهم رسول الله صلعم بلفظ بشره بالجنة أو المبشرون بدفعة واحدة في مجلس واحد، ولا بد من التأويل أو بالإجماع أزواج الرسول وفاطمة والحسنين ونحوهم من أهل الجنة.
          قوله: (الحجاج) بفتح المهملة وشدة الجيم الأولى، ابن محمد الأعور، و(القعقاع بن معبد) بفتح الميم وإسكان المهملة وفتح الموحدة وبالمهملة.
          قوله: (ما أردت إلا خلافي) أي: ليس مقصودك إلا مخالفة قولي، وفي بعضها ما أردت إلى خلافي أي شيء قصدت منتهياً إلى مخالفتي، و(تماريا) أي: تخاصما.
          الزركشي:
          (كاد الخيران أن يهلكا) قال السفاقسي: كذا وقع بغير نون، وكأنه نصب بتقدير أن.
          قلت: ورواه بعضهم: ((أن يهلكا))، فالحذف على الأصل، و((يهلِكا)) بكسر اللام.
          وهذا الحديث مصرح بأن سبب الآية كلام الشيخين، وقال ابن عطية: الصحيح أن سببها كلام جفاة الأعراب، ولهذا تكلم السفاقسي في هذا الحديث وقال: إنه ليس بمتصل؛ لأن (خ) لم يذكره عن ابن الزبير، وإنما ذكر في آخره عن ابن الزبير.
          فما كان عمر يُسمِع النبي صلعم بعد هذه الآية حتى يستفهمه.
          قلت: لكن الطريق الأخرى كما سيذكره (خ) صرحت بأن عبد الله بن الزبير هو الذي أخبر ابن أبي مليكة ذلك، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (فقال رجل يا رسول الله أنا أعلم لك علمه) الرجل هو سعد بن معاذ كذا في (م) في أثناء كتاب الإيمان، وقيل: عاصم بن عدي العجلاني وقيل: أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري.
          قوله: ({إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ}) [الحجرات:4] الذين نادوه كانوا أعراباً من أهل نجد بينهم الأقرع بن حابس التميمي السعدي والزبرقان بن بدر السهمي، واسمه: الحصين، وعمرو بن الأهيم، واسم الأهيم سُمي بن سنان.
          وقال الواحدي في ((أسباب النزول)) عن ابن إسحاق وغيره: نزلت في جفاة بني تميم قدم وفد منهم على النبي صلعم فدخلوا المسجد فنادوا من وراء / حجراته أن اخرج إلينا يا محمد فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين فخرج إليهم فقالوا يا محمد إنا جئناك نفاخرك ونزل فيهم {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ} الآية، وكان فيهم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصين والزبرقان وقيس بن عاصم.


[1] في هامش المخطوط: ((فائدة أقول: ويتأكد ذلك في مجالس قراءة الحديث بخلاف ما يفعله أهل زماننا والله تعالى ما خاطب نبيه ◙ إلا بقوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} بخلاف باقي الأنبياء يا إبراهيم يا موسى يا عيسى.
أقول: قد وجدت هذه الفائدة والإشكال على حاشية المستخرج لأبي نعيم على (م) بخط ابن ساقة)).