مجمع البحرين وجواهر الحبرين

{اقتربت الساعة}

          ░░░54▒▒▒ سورة اقتربت
          مكية، قال مقاتل: إلا {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} [القمر:44] إلى قوله: {وَأَمَرُّ} [القمر:46] وفي ((تفسيره)): إلا آية {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} [القمر:45] فإنها نزلت في أبي جهل بن هشام يوم بدر، وقيل أيضاً عن الكلبي وخطئ فيه وأنه روي عن الكلبي غيره، وروى أبو جعفر عن الربيع بن أنس قال: هذا يوم بدر يعني أن الجمع هزموا فيه فأما الآية فمكية، وجاء تأويلها يوم بدر وسيأتي عن عائشة أنها مكية.
          (وقال مجاهد: {مُّسْتَمِرٌّ} [القمر:2]: ذاهب) قوله ({مُزْدَجَرٌ} [القمر:4]: متناه {وَازْدُجِرَ} [القمر:9]: فاستطير جنوناً {دُسُرٍ} [القمر:13]: أضلاع السفينة، {لِّمَن كَانَ كُفِرَ} [القمر:14] كقوله: جزاء من الله {مُّحْتَضَرٌ} [القمر:28]: يحضرون الماء) ومعنى ذاهب فيما سلف؛ أي: سيذهب ويبطل، وقاله الفراء أيضاً واختير وقال الزجاج: دائم وقيل: مر، وقيل: نافذ ماض فيما أمر به. وقيل: يشبه بعضه بعضاً.
          وقيل: هو يوم الأربعاء الذي لا يدور في الشهر، لعله آخر يوم أربعاء من الشهر وقيل: مستحكم فحكم.
          قوله: ({فَتَعَاطَى} [القمر:29] وقال غيره: يعاطاها بيده فعقرها) كذا هو ((يعطاها)) وفي بعض النسخ: ((يعاطاها)) قال ابن التين بعد أن ذكره باللفظ الأول: لا أعلم له وجهاً إلا أن يكون من المقلوب الذي قلبت عينه على لامه؛ لأن العطو: التناول، فيكون المعنى: فتناولها بيده. وأما عوط فلا أعلمُه في كلام العرب، وأما عيط فليس معناه موافقاً لهذا. والذي قال بعض المفسرين: فتعاطى عقر الناقة فعقرها. وقال ابن فارس: التعاطي: الجرأة، والمعنى: تجرأ فعقر.
          ({الْمُحْتَظِرِ} [القمر:31] كحظار من البحر محترق) أي: وهو بفتح الحاء من حظار وكسرها، وعن مجاهد: هو الرجل يهشم الجبهة.
          وقال ابن جبير: الذي يسقط من الحائط، وقال ابن عباس: كالحشيش تأكله الغنم.
          ({مُّسْتَقِرٌّ} [القمر:38] عذاب حق): أي: دائم (ويقال: الأشر: المرح) أي: في غير طاعة، وقرئ: ((الأشر)) بتشديد الراء، وتشديد الشين وتخفيف الراء.
          قوله: {وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1]
          فيه حديث أبي معمر، عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلعم فرقتين، وحديث ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن معمر عنه به.
          وحديث ابن عباس: انشق في زمان رسول الله صلعم.
          وحديث شيبان، عن قتادة، عن أنس: سأل أهل مكة أن يريهم آية وعن شعبة، عن قتادة، عن أنس: انشق القمر فرقتين.
          وقد سلفت في باب انشقاق القمر بعد إسلام عمر، وفي باب: سؤال المشركين أن يريهم آية.
          وللبيهقي من حديث قتادة، عن أنس بلفظ: (فأراهم) انشقاق القمر مرتين، ثم عزاه للبخاري. وفي حديث ابن أبي عروبة عن قتادة: فأراهم مرتين انشقاقه. وقد حفظه عن قتادة ثلاثة: شيبان ومعمر وابن أبي عروبة. واسم ابن أبي نجيح عبد الله بن يسار مولى الأخنس، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة. قال يحيى القطان: كان قدريًّا واسم أبي معمر عبد الله بن سخبرة، ولأبيه سخبرة صحبة ورواية، روى له (ت). قال ابن سعد: توفي ابن سخبرة بالكوفة، في ولاية عبيد الله بن زياد.
          وقد أسلفنا هناك أنه رواه غير هؤلاء الثلاثة، وممن رواه جبير بن مطعم كما سلف هناك، وهو وابن مسعود شاهداه، وابن عباس وأنس أخبرا به.
          وأبعد من قال: إن المراد به يوم القيامة، وأن المعنى: وينشق، وجاء في تفسير أبي عبد الله جوانبه أن ذلك كان ليلة البدر، وأن نصفه على الصفا / والآخر على قعيقعان.
          قلت: وقد رواه عن الصحابة المذكورين هنا وهناك أمثالهم كذلك من التابعين ثم كذلك ينقل الجم الغفير والعدد الكثير إلى أن انتهى إلينا. وانضاف إليه الكتاب العزيز كما سلف، فلا ينكره إلا معاند، وأما ما يروى في أنه دخل في كمه ◙ وخرج من الأخرى فباطل لا أصل له.
          قال الحليمي في ((منهاجه)): ومن الناس من يقول قوله: {وَانشَقَّ الْقَمَرُ} معناه: ينشق كقوله: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ} [النحل:1] أي: يأتي. قال: فإن كان هكذا فقد أتى، وقد رأيت الهلال وهو ابن ليلتين منشقًّا بنصفين عرض كل واحد منهما كعرض القمر ليلة أربع أو [خمس]، وما زلت أنظر إليهما حتى اتصلا ثم غابا. وكان معي جماعة من الثقات شاهدوا كذلك. قال وأخبرني من وثقت به، وكان خبره عندي كعياني أنه رأى الهلال وهو ابن ثلاث منشقًّا بنصفين.
          قال الحليمي: وإذا كان كذلك ظهر أن الانشقاق في الآ[ية] إنما هو الذي من أشراط الساعة دون الانشقاق الذي جعله الله آية لرسوله وحجة على أهل مكة.