مجمع البحرين وجواهر الحبرين

سورة الرحمن

          ░░░55▒▒▒ سورة الرحمن
          مكية. وعن همام، عن قتادة: مدنية وكيف تكون مدنية، وإنما قرأها الشارع بسوق عكاظ(1) فسمعته الجن، وأول شيء سمعت قريش من القرآن جهراً سورة الرحمن، قرأها ابن مسعود عند الحجر فضربوه حتى أثروا في وجهه، / كما ذكره ابن إسحاق.
          وعن ابن عباس: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الرحمن:29] مدنية. وقال مقاتل: نزلت لما سمع كفار مكة قوله: {اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} [الفرقان:60] الآية فأخبر الله عن نفسه وعن صنعه ليعرف ويوحد.
          قال السخاوي(2): ونزلت قبل: {هَلْ أَتَى} [الإنسان:1] وبعد الرعد.
          (وقال مجاهد: {بِحُسْبَانٍ} [الرحمن:5] كحسبان الرحى) قال: يدوران في مثل قطب الرحى، وعن الضحاك كلها يسجد لله، قال ابن عباس: بحساب هو شأن.
          (وقال أبو مالك: بحساب ومنازل. وفي رواية: وأجل) قلت: والحسبان أيضاً. سهام قصار الواحد حسبانة.
          (وقال غيره: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرحمن:9]: لسان الميزان) هو قول أبي الدرداء والعصف بقل الزرع، إذا قطع منه شيء قبل أن يدرك، فذلك العصف. {وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن:12]: ورقه. {وَالْحَبُّ} الذي يؤكل منه، والريحان في كلام العرب: الرزق، وقال بعضهم: العصف يريد المأكول من الحب، والريحان: النضيج الذي لم يؤكل، وقال غيره: العصف ورق الحنطة، وقال الضحاك: العصف: التبن. وقال أبو مالك: العصف أول ما ينبت لتسميه النبط هتوراً والنبط بفتح النون والباء، وهَتورا بفتح الهاء، وقال ابن كيسان: العصف: ورق كل شيء خرج منه الحب، يبدو أولاً ورقاً، ثم يكون سوقاً، ثم أكماماً ثم حبًّا ثم قال ابن عباس: كل ريحان في القرآن فهو رزق، قال مقاتل: بلغة حمير وعن ابن عباس أيضاً أنه الريح.
          (والمارج: اللهب الأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت) وفي بعض النسخ قال مجاهد: {كَالْفَخَّارِ} [الرحمن:14] كما يصنع الفخار، والمارج: طرف النار.
          (و{الْمُنشَآتُ} [الرحمن:24] ما رفع قلعه من السفن، فأما ما لم يرفع قلعه فليس بمنشأة) والقلع بكسر القاف وسكون اللام وفتحها أيضاً حكاه ابن التين.
          (والشواظ لهب من نار) وهو من تتمة قول مجاهد، وقيل: هو اللهب الذي لا دخان فيه.
          (وقال مجاهد: {خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [الرحمن:46] يهم بالمعصية فيذكر الله فيتركها)، ({صَلْصَالٍ} [الرحمن:14] طين خلط برمل) سلف في باب: خلق آدم.
          ({فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68] قال بعضهم: ليس الرمان والنخل بالفاكهة يعني به أبا حنيفة، وأما العرب فإنها تعدها فاكهة؛ أي: فتجيب بهما كقوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] فأمرهم على المحافظة على كل الصلوات، ثم أعاد العصر تشديداً لها، كما أعيد النخل والرمان) أي: فهو من باب عطف الخاص على العام.
          ({وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن:54] ما يجتنى قريب) أي: يناله القائم والقاعد والنائم (وقال الحسن: {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا} [الرحمن:55] قال قتادة: يعني الجن والإنس) والآلاء: النعم بلا شك. واحدها ألا، وقيل: خاطب بلفظ التثنية على عادة العرب.
          (قال أبو الدرداء: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29] يغفر ذنباً) إلى آخره هذا مرفوع أخرجه (ق) عن هشام بن عمار بسنده عن أبي الدرداء مرفوعاً: ((من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً)) إلى آخره.
          وقال قتادة: يحيي حيًّا ويميت، ويربي صغيراً، ويفك أسيراً، ويغني فقيراً، وهو سبيل حاجات الصالحين ومنتهى شكواهم، وقال عبد بن عمير: من شأنه أن يفك عانياً، ويشفي مريضاً، ويجيب داعياً، ويعطي سائلاً وقيل: غير ذلك.
          (وقال ابن عباس: {بَرْزَخًا} [الفرقان:53]: حاجزا) وقال الحسن: أنتم البرزخ، فلا يبغيان عنكم فيغرقانكم. وقال قتادة: هو بحر فارس والروم، وبحر المشرق وبحر المغرب، وفي رواية: بحر الجزيرة واليبس ما أخذ أحدهما من صاحبه فهو بغي، وقال ابن أبزى: البرزخ: البعد.
          (الأنام: الخلق) وقال الحسن: الجن والإنس، وقال ابن عباس: لكل ذي روح.
          قوله: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:62]
          فيه / حديث أبي عمران الجوني واسمه عبد الملك بن حبيب البصري عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه عن رسول الله صلعم ((جنتان من فضة)) الحديث وأخرجه في صفة الجنة والتوحيد، و(م) أيضاً.
          وذكر ابن المنذر عن أبي موسى في قوله: ((جنتان من ذهب)) قال: للسابقين، ((وجنتان من فضة)) قال: للتابعين. وفي رواية: الذهب للمقربين، والفضة لأصحاب اليمين والمراد هنا استعارة كنى بها عن العظمة، واستعير في الحديث الآخر الإزار والرداء للعظمة والكبرياء لملازمتهما للشخص واختصاصهما به، وإذا أزال عناءهم تفضل عليهم برؤيته. والوجه: صفة شريفة تعالى الله عن الجارحة.
          قوله: (في جنة عدن) هو متعلق بمحذوف في موضع الحال من القوم، فكأنه قال كائنين في جنة عدن، ولا يكون من الرب جل جلاله؛ لاستحالة المكان والزمان.
          قوله: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72] (وقال ابن عباس: الحور: السود الحدق) وفي رواية مجاهد عنه: الحور: البيض، فيحتمل أن يريد في شدة بياضها، وهو قول الأكثرين الحور: شدة سواد العين في شدة بياضها.
          وقال أبو عمرو: الحور أن تسود العين كلها مثل الظباء والبقر، وليس في بني آدم حور، وإنما قيل للنساء: حور العين؛ لأنهن يشبهن بالظباء والبقر، ويحتمل أن يريد ابن عباس هذا، وهو أشبه بكلامه. وقال الأصمعي: ما أدري ما الحور في العين.
          (وقال مجاهد: {مَّقْصُورَاتٌ} [الرحمن:72]: محبوسات، قصر طرفهن وأنفسهن على أزواجهن، قاصرات لا يبغين غير أزواجهن) ثم ساق (خ) حديث أبي موسى المذكور قبله مطولاً بزيادة: ((إن في الجنة خيمة من لؤلؤة)) الحديث وسلف في صفة الجنة. وأخرجه (م) (ت) (ن) وفيه: ((ويطوف عليهم المؤمنون)) وهو صواب. وبخط الدمياطي: الوجه المؤمن. وعن ابن عباس: الخيمة ميل في ميل، فيها أربعة آلاف مصراع والحديث يرده.
          قال والدي ⌂:
          قال: ({الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}) [الرحمن:5] أي: كحسبان الرحى يعني: يجريان على حسب الحركة الرحوية وقال: ({وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ}) [الرحمن:12] قيل: العصف بقل الزرع بالموحدة، و(يدرك) أي: يبلغ إلى حد الكمال والريحان ورقه، والحب هو الذي يؤكل منه وقيل: الريحان الرزق بالراء والزاي. قال أبو مالك: ولا يعرف اسمه تسمية أي: العصف (النبيط) بفتح النون والموحدة وهم قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين أي: أهل الزراعة (هبورا) بفتح الهاء وضم الموحدة وبالواو والراء.
          قوله: (رب المشرقين) وقال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ} [المعارج:40] وقال: رب المشرق والمغرب، فإن قلت: فما وجه الجمع بينهما؟ قلت: المراد بالمشرق الجنس وبالمشرقين مشرق الصيف ومشرق الشتاء، والمشارق مشرق كل يوم أو كل فصل أو كل برج أو كل كوكب.
          وقال: ({بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ}) [الرحمن:20] لا يختلطان، قوله: (بعضهم) قيل: أراد به أبا حنيفة إذ مذهبه أن من حلف أن لا يأكل فاكهة فأكل رماناً أو رطباً لم يحنث.
          قوله: (تشديداً لها) أي: تأكيداً لها وتعظيماً وتفضيلاً، و(قد ذكرهم) أي: كثير من الناس في ضمن من في السموات ومن في الأرض. أقول: للإمام أبي حنيفة أن يمنع المشابهة بين هذه الآية وتينك الآيتين؛ لأن الصلوات ومن في الأرض لفظان عامان بخلاف فاكهة.
          قوله: (عبد الله بن أبي الأسود) ضد الأبيض البصري، و(عبد العزيز) العمي بفتح المهملة وشدة الميم، و(أبو عمران) بكسر المهملة عبد الملك الجوني بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون وأبو بكر قيل اسمه عمرو، و(عبد الله) ابن قيس هو أبو موسى الأشعري والرجال كلهم بصريون.
          قوله: (آنيتهما) مبتدأ خبره من فضة والحديث من المتشابهات إذ لا وجه ولا رداء على ما هو المتبادر إلى الذهن من مفهومها لغة فالمفوضة يقولون ما يعلم تأويله إلا الله، والمأولة يؤولون الوجه بالذات والرداء بشيء كالرداء من صفاته اللازمة لذاته المقدسة / عما يشبه المخلوقات تعالى عن ذلك علوًّا كبيراً.
          وفي جنة عدن ظرف للقوم أو هو منصوب على الحالية، فإن قلت: فهذا مشعر بأن رؤية الله تعالى غير واقعة؟ قلت: لا يلزم من عدمها في جنة عدن أو في ذلك الوقت عدمها مطلقاً أو رداء الكبر غير مانع منها.
          قوله: (طرفهن) أي: عينهن أي: لا يطلبن، و(محمد بن المثنى) ضد: المفرد، و(الميل) ثلث فرسخ أربعة آلاف خطوة، و(ما يرون الآخرين) في بعضها: الآخرون، فالتقدير يرونهم الآخرون نحو: أكلوني البراغيث.
          الزركشي:
          ({الْمُنشَآتُ} [الرحمن:24] ما رفع قلعه) بكسر القاف: وهو شراع السفينة، قاله القاضي.
          وقال السفاقسي: بكسر القاف وسكون اللام، وضبطه بعضهم بفتح اللام.
          (قال بعضهم: ليس الرمان والنخل بفاكهة) يريد به أبا حنيفة، ورد عليه بأن العرب تعدهما فاكهة، وأن عطفهما على الفاكهة من باب عطف الخاص على العام.
          وقد رد على (خ) بأن فاكهة نكرة في سياق الإثبات فلا عموم إذن.
          وهذا الرد مردود بأمرين: أحدهما: بأنها نكرة في سياق الامتنان وهي عامة.
          والثاني: أنه ليس المراد بالخاص والعام هنا المصطلح عليه في الأصول، بل كل ما كان الأول فيه شاملاً للثاني.
          ({كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:2]) يغفر ذنباً.. إلى آخره وقال غيره: يخرج في كل يوم ثلاث عساكر: عسكر من الأصلاب إلى الأرحام، وآخر من الأرحام إلى الأرض، وآخر إلى القبور، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (خلق الجان) هو أبو الجن وهو إبليس وقال مجاهد: هو أبو الجن وليس بإبليس.
          قوله: (سنفرغ لكم) سنحاسبكم قبل حساب الخلائق يوم القيامة يفرغ الله منه في أقل من نصف نهار من أيام الدنيا، قال رسول الله صلعم: ((إنه ليحيف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة))، وقال ◙: ((لا ينتصف النهار حتى تستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار))(3).
          قوله: (على غرتك) الغرة الغفلة.


[1] في هامش المخطوط: ((عكاظ نخل في واد بينه وبين الطائف ليلة وبينه وبين مكة ثلاث ليال كانت تقام سوق العرب بموضع منه يقال له: الابتداء وبه كانت الفجار وهناك صخور يطوفون بها ويحجون إليها عكاظ وذو المجاز ومجنة)).
[2] في المخطوط: ((خ)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: قوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} قال أبو نصر المقدسي في كتاب ((البذر والنارنج)) عند ذكر البحار يوجد اللؤلؤ والجوهر في عذب البحور إلا في بحر الصين فإن ماءه عذب ويوجد فيه اللؤلؤ قال الله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ})).