مجمع البحرين وجواهر الحبرين

كهيعص

          ░░░19▒▒▒ سورة مريم
          قال مقاتل: مكية إلا سجدتها، وفيه فيما حكاه القرطبي: نزلت بعد المهاجرة إلى أرض الحبشة، قال السخاوي: نزلت بعد فاطر، وقبل طه، وعن الكلبي: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:71] نزلت بالمدينة في عبد الله بن رواحة، وقصته لا تدل على ذلك.
          (قال ابن عباس: أسمع بهم وأبصر الله يقوله، وهم اليوم لا يسمعون... إلى آخره) وهذا أخرجه ابن المنذر من حديث عطاء عنه، الآيات جمع آية وقيل لا واحد له من لفظه.
          (غيا: خسرانا) قلت: وقال ابن مسعود: وغيره عن ابن عباس: هو واد في جهنم. وقال ابن مسعود: هو نهر في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم، وليس معنى {يُلَقَّوْنَ}: يرون فقط؛ لأن اللقاء معناه: الاجتماع والملابسة معها.
          قوله: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مريم:39]
          ساق فيه حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلعم: ((يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح)) الحديث أخرجه (م) أيضاً، وأخرجاه من حديث ابن عمر.
          ولفظ (ت) في حديث أبي سعيد: ((أتي بالموت كالكبش الأملح، فيوقف بين الجنة والنار فيذبح، فلو أن أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة، ولو أن أحداً مات حزناً لمات أهل النار)). ثم قال: حسن صحيح، وأخرجه (خ) أيضاً في الخلود، وأخرجه (ق) من هذا الوجه بلفظ: ((يجاء بالموت فيوقف على الصراط فيقال: يا أهل الجنة فيطلعون خائفين أن يخرجوا من مكانهم، ثم يقال: يا أهل النار، فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، فيؤمر به فيذبح على الصراط)).
          ومعنى: (فيشرئبون) وهو بالهمز: يرفعون رءوسهم إلى المنادي، والأملح: الذي فيه بياض كثير / وسواد، قاله الكسائي. وعن ابن الأعرابي: هو الأبيض الخالص، والحكمة في كونه أسود وأبيض فيما قاله علي بن حمزة: أن البياض من جهة الجنة والسواد من جهة النار(1).
          وقال المازري: الموت عند أهل السنة عرض من الأعراض يضاد الحياة، وزعم بعض المعتزلة: أنه ليس بعرض، بل معناه عدم الحياة، وهو خطأ لقوله تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [تبارك:2] فأثبته مخلوقاً. وعليهما ليس الموت بجسم، فيتأول الحديث على أن الله تعالى يخلق هذا الجسم ثم يذبح مثالاً، لأن الموت لا يطرأ على أهل الآخرة.
          وإن كان ابن عباس ومقاتل والكلبي قالوا: إن الموت والحياة جسمان، فالموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء، وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها، خطوها مد البَصَر فوق الحمار ودون البغل لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي، وهي التي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل.
          وفيه دلالة على أنهم يعاينون ملك الموت في هذه الصورة عند الموت.
          ثم هذا الحديث وغيره من الأحاديث نص في الخلود لأهل الدارين لا إلى أمد ولا غاية، فمن قال: أنهم يخرجون منها وأن النار تبقى خالية وأنها تفنى وتزول، فهو خارج عن مقتضى المعقول ومخالفة ما جاء به الرسول وما أجمع عليه أهل السنة والعدول، وإنما تخلى جهنم.
          وهي الطبقة العليا التي فيها عصاة أهل التوحيد، وهي التي ينبت على شفيرها الجرجير، وقد بين ذلك موقوفاً عبد الله بن عمرو بن العاصي: يأتي على النار زمان تخفق الرياح أبوابها ليس فيها أحد من الموحدين وهذا وإن كان موقوفاً فإن مثله لا يقاس بالرأي.
          وإنما يؤتى بالموت في صورة كبش؛ لأنه جاء أن ملك الموت أتى آدم في صورة كبش أملح قد نشر من أجنحته أربعة آلاف جناح، والذي يذبحه يحيى بن زكريا بين يدي النبي صلعم وقيل: الذي يذبحه جبريل ◙، ذكره في ((التذكرة)).


[1] في هامش المخطوط: ((فائدة: أقول: نفى ما الحكمة في كونه كبشاً)).