مجمع البحرين وجواهر الحبرين

{والضحى}

          ░░░93▒▒▒ سورة والضحى
          مكية، قال قتادة: الضحى: ساعة من نهار، وقال الفراء: النهار كله.
          (وقال مجاهد: {إِذَا سَجَى} [الضحى:2] استوى. وقال غيره: أظلم وسكن) وما ذكره عن غيره حكي، عن ابن عباس: {سَجَى}: أظلم، وقال عكرمة: سكن، وعند ابن جرير عن ابن عباس: {سَجَى}: ذهب، وقال الحسن: جاء، وعنه استقر وسكن.
          ({عَائِلًا} [الضحى:8]: ذو عيال) هو قول الأخفش، وفيه أقوال أخر، منها فقيراً، قال ابن عزير: وأما من قال: لا تعولوا لئلا تكثر عيالكم، معروف في اللغة.
          ثم ساق حديث الأسود بن قيس قال: سمعت جندب بن سفيان قال: اشتكى رسول الله صلعم الحديث، وذكره في أوائل فضائل القرآن أيضاً، وأخرجه (م) (ت) (ن).
          قوله: {مَا وَدَّعَكَ [رَبُّكَ] وَمَا قَلَى} [الضحى:3] تقرأ بالتشديد والتخفيف بمعنى واحد، ما تركك ربك وما أبغضك.
          ثم ساقه أيضاً قالت امرأة: يا رسول الله، الحديث وسلف في الصلاة في باب ترك القيام للمريض، وفي لفظ: أبطأ جبريل على رسول الله صلعم فقال المشركون: قد ودع محمد، وروي من حديث خولة خادم رسول الله صلعم أن سبب نزولها موت جرو تحت السرير، وجاء: ((أما علمت أنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة)) وسلف عن طريق الحاكم من حديث زيد بن أرقم أن قائل ذلك امرأة أبي لهب.
          وعند مقاتل: / لما أبطأ الوحي قال المسلمون(1): يا رسول الله مكث عليك الوحي، فقال: ((كيف ينزل علي الوحي وأنتم لا تنقون براجمكم ولا تقلمون أظفاركم)).
          واختلف في المدة التي احتبس فيها جبريل، فذكر ابن جريج أنها كانت اثني عشر يوماً، وقال ابن عباس: خمسة عشر يوماً، وفي رواية: كانت خمسة وعشرين يوماً. وقال مقاتل: أربعين يوماً ويقال: ثلاثة أيام.
          وفي ((تفسير ابن عباس)): لما أبطأ الوحي قال كعب بن الأشرف(2): قد أطفأ الله نور محمد، ولم يتم نوره، وانقطع الوحي عنه. فقال أهل مكة: صدق، فنزل جبريل بعد أربعين يوماً فقال: ((ما أبطأك عني يا جبريل؟ فقال: [كيف] ننزل عليكم وأنتم لا تغسلون براجمكم ولا تستاكون ولا تستنجون بالماء)).
          في قوله: {مَا وَدَّعَكَ} [الضحى:3] يقرأ بالتشديد والتخفيف بمعنى، خالف فيه أبو عبيدة فقال: التشديد من التوديع، والتخفيف من ودع يدع؛ أي: سكن، والأول عليه جماعة القراء، والثاني قراءة ابن أبي عبلة، وهو شاذ.
          قوله: (لم أره يقربك) قال ابن التين: هو بكسر الراء، يقال: قربه يقربه إذا كان متعدياً، مثل: {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ} [النساء:43] وأما قرب من الشيء يقرب فهو لازم.
          قال والدي ⌂:
          قال تعالى: ({وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى}) [الضحى:2] أي: أظلم وهو لازم وجاء متعدياً، و(زهير) مصغراً ابن معاوية الجعفي، و(الأسود بن قيس) العبدي بالمهملتين وسكون الموحدة ويقال البجلي، و(جندب) بضم الجيم وإسكان النون وفتح المهملة وضمها، ابن عبد الله بن سفيان البجلي بفتح الموحدة والجيم وباللام وتارة ينسب إلى أبيه وأخرى إلى جده، و(اشتكى) أي: مرض، و(المرأة) هي أم جميل بفتح الجيم امرأة أبي لهب، و(قرب) بالضم لازم يقال قرب الشيء أي دَنا، وبالكسر متعدياً أي: قربته أي: دنوت منه.
          و(ما ودعك) بتشديد الدال أي: ما قطعك قطع المودع وبالتخفيف يعني ما تركك، الجوهري: أماتوا ماضيه فلا يقال ودعه وإنما يقال تركه.
          قوله: (محمد بن بشار) بإعجام الشين، و(غندر) بضم المعجمة وإسكان النون وفتح المهملة وضمها وبالراء محمد بن جعفر، و(أبطأك) قيل: صوابه أبطأ عليك أو أبطأ عنك أقول: وهذا أيضاً صواب إذ معناه ما أرى صاحبك يعني: جبريل إلا جعلك بطأ في القراءة؛ لأن بطأه في الإقراء بطء في قراءته أو هو من باب حذف حرف الجر وإيصال الفعل به.
          فإن قلت: المرأة كانت كافرة فكيف قالت يا رسول الله؟ قلت: قالته إما استهزاء منها وإما أن يكون هو من تصرفات الراوي إصلاحاً للعبارة.
          الزركشي:
          (ما أُرى صاحبك) بضم الهمزة، وعند أبي ذر بفتحها انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (ليلتين أو ثلاثاً) وقيل اثنا عشر يوماً، وقيل: خمسة عشر يوماً وقيل: خمس وعشرون وقيل: أربعون فهذه ستة أقول.
          وقال ابن الجوزي في ((زاد المسير)): اختلف في سبب انقطاعه على ثلاث أقوال: أحدها: أن اليهود سألت رسول الله صلعم عن ذي القرنين وأصحاب الكهف وعن الروح فقال: ((سأخبركم غداً)) ولم يقل إن شاء الله فاحتبس عنه الوحي.
          والثاني: لقله النظافة في بعض أصحابه.
          والثالث / : لأجل جرو كان في بيته.
          وقال الواحدي في ((أسباب النزول)): بسنده عن جندب قال: قالت امرأة من قريش للنبي صلعم: ما أرى شيطانك إلا ودعك فنزل والضحى، رواه (خ) عن أحمد بن يونس ورواه (م) عن محمد بن رافع.
          وقال الواحدي بسنده عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أبطأ جبريل ◙ على النبي صلعم فجزع جزعاً شديداً فقالت خديجة: قد خلاك ربك لما نرى من جزعك فأنزل الله والضحى(3).
          وقال الواحدي بسنده عن حفص بن سعيد القرشي قال: حدثتني أمي عن أمها خولة وكانت خادمة رسول الله صلعم أن جرواً دخل البيت فدخل تحت السرير فمات فمكث رسول الله صلعم أياماً لا ينزل عليه الوحي فقال: يا خولة ما حدث في بيتي جبريل لا يأتيني؟ قالت خولة فقلت لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فإذا شيء ثقيل فلم أزل حتى أخرجته فإذا هو جرو ميت فأخذته فألقيته خلف الدار فجاء نبي الله صلعم يرعد لحياه وكان رسول الله صلعم إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة فقال: يا خولة دثريني فأنزل الله {وَالضُّحَى} [الضحى:1].
          أقول: قال القسطلاني في ((مبهماته)): المرأة التي قالت لما أبطأ جبريل بالوحي على نبيه صلعم لقد تركه صاحبه هي خديجة بنت خويلد وقيل عائشة ♦ انتهى كلامه.
          أقول: كيف تقول عائشة ذلك وحين نزول والضحى لم تكن عائشة خلقت بعد؟ أقول: وفي رواية قالت المرأة: ما أرى صاحبك، وفي رواية ما أرى شيطانك يمكن أن يوجه أن القائلة شيطانك هي العوراء أم جميل امرأة لهب، والقائلة صاحبك خديجة أو يكون استهزاء من الكافرة كما سبق في كلام والدي ⌂، وامرأة أبي لهب هي الحوراء بنت حرب، وقيل اسمها: أروى.


[1] في المخطوط: ((المشركون))، ولعل الصواب ما أثبتناه.
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: السورة مكية وكعب بن الأشرف من يهود المدينة هذه مشكل)).
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: لي إشكال في هذه الرواية وذلك أن النبي صلعم كان يخرج من بيته إلى المسجد وغيره فكان يأتيه جبريل وهو خارج من بيته فكيف صار الجرو سبباً لعدم مجيء جبريل إليه ولو فرض أنه كان ملازماً للبيت لا يخرج منه لاتجه ذلك اللهم إلا أن يقال نعم كان ملازماً للبيت تلك المدة لأجل شكواه ولم يخرج من بيته تلك المدة فلما أخرج الجرو أتاه جبريل)).