مجمع البحرين وجواهر الحبرين

المدثر

          ░░░74▒▒▒ سورة المدثر
          مكية، والجمهور على أنه المدثر بثيابه، وقال عكرمة: بالنبوة وأعبائها حكاه الماوردي. قال عطاء نزلت: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل:1] قبل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1].
          (وقال ابن عباس {عَسِيرٌ} [المدثر:9]: شديد) ({قَسورة} [المدثر:51]: ركز الناس وأصواتهم. وكل شديد قسورة وقسور) يريد: فرت من حبس الناس وأصواتهم، وروى عبد بن حميد عن أبي حمزة قال: قلت لابن عباس: أرأيت قوله: {فَرَّتْ مِن قَسورة} أهو الأسد؟ قال: ما هي بلغة أحد من العرب أو قال الناس إنما هي عصب الرجال. وفي رواية: الرماة.
          (وقال أبو هريرة: قسورة: الأسد) وفي لفظ الكلب العقور والأسد وقال سعيد بن جبير: هم القناص. ووزن قسورة: فعولة من القسر وهو القهر والغلبة.
          ثم قال (خ): ثنا يحيى، ثنا وكيع، عن علي بن المبارك، إلى آخره يحيى هذا وقع في بعض النسخ أنه ابن موسى الحداني، وقد أسلفنا في أول الإيمان أن الجمهور على أن أول ما نزل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1]، ثم المدثر من جملة ما أنزل أول أيضاً.
          قوله: {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:2]
          ثنا محمد بن بشار، ثنا عبد الرحمن بن مهدي... وغيره إلى آخره، قوله: مثل حديث عثمان إلى آخره يريد ما أخرجه (م) عن ابن مثنى، عن عثمان، عن علي بن المبارك.
          قوله: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر:3]
          ساقه أيضاً وفيه: (فجئثت منه) أي: فزعت، يقال: جئث الرجل، وجئث: فزع، ووقع عند أبي الحسن: فجثيت من جثا يجثو، قال ابن التين: ولا يستقيم ذلك لأنه غير متعد، واللغتان الصحيحتان جئثت بالهمز قبل الثاء، وكذا ذكره المتكلمون في هذا الحديث: وقالوا: جثثت الرجل فهو مجثوث؛ أي: مرعوب. والطهارة على بابها. وقيل: قصر، وقيل: الثياب: النفس والمراد الأمة.
          قوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:5] يقال: الرجز والرجس: العذاب. وفي آخره قال أبو سلمة: والرجز: الأوثان، وكذا ذكره في باب: بدء الخلق، وقال في الذي قبله: (قبل أن تفترض الصلاة وهي الأوثان) أي: لأنها سبب العذاب / ، فإن الرجز: العذاب، وقيل: الذنب. وقيل: الظلم، والراء تضم أيضاً لغتان بمعنى، قاله الفراء، وقال بعض البصريين: الكسر: العذاب، ولا يضم، وهذا لا يبعد من قول أبي سلمة؛ لأن عبادة الأوثان مؤدية إلى العذاب.
          قال والدي ⌂:
          سورة المدثر، قال تعالى: ({فَرَّتْ مِن قَسورة}) [المدثر:51] أي: ركز الناس وأصواتهم وكل شديد قسورة وقيل: الأسد وقيل: الرامي للصيد، وقال: ({كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ}) [المدثر:50] أي: نافرة مذعورة بالمعجمة ثم المهملة أي: خائفة.
          قوله: (يحيى) هو إما ابن موسى وإما ابن جعفر، و(علي بن المبارك) الهنائي بضم الهاء وبالنون، و(يحيى بن أبي كثير) ضد القليل، و(حراء) بكسر الحاء وخفة الراء وبالمد منصرفاً على الأشهر، جبل على يسار السائر من مكة إلى منى، و(جواري) أي: مجاورتي؛ أي: اعتكافي، و(الشمال) بالكسر ضد اليمين وبالفتح ضد الجنوب. فإن قلت: المشهور بل الصحيح أن أول ما نزل هو {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1] قلت ليس في حديثه أنه {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] بل استخرج جابر ذلك عن الحديث باجتهاده وظنه وهو لا يعارض الحديث الصحيح المذكور في أول هذا الجامع الصريح بأنه اقرأ ثم لفظ فرأيت شيئاً مجمل يحتمل أن يكون المراد به رأيت جبريل وقد قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1] فخفت من ذلك ثم أتيت خديجة فقلت دثروني.
          قوله: (محمد بن بشار) بإعجام الشين، و(حرب) ضد الصلح ابن شداد بفتح المعجمة وشدة المهملة الأولى، و(عثمان) هو ابن عمر البصري يروي عنه ابن بشار وفي مخرج أبي نعيم الحافظ نحو حديث علي بن المبارك وليس فيه ذكر عثمان، و(استنبطت) أي: وصلت بطن الوادي.
          قوله: (وهو يحدث عن فترة الوحي) هذا مشعر بأنه كان قبل نزول {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} وحيٌ وليس ذلك إلا سورة اقرأ على الصحيح.
          قوله: (فجئثت) بلفظ المجهول من الجأث بالجيم والهمزة والمثلثة وهو الفزع، و(الرعب) الخوف وفي بعضها جثثت بالمثلثتين من الجث وهو القلع. فإن قلت: قال هنا على كرسي وفي الحديث السابق على عرش قلت: لا تفاوت بينهما بحسب المقصود، وهو ما يجلس عليه وقت العظمة.
          قوله: (قبل أن يفرض) غرضه أن تطهير الثياب كان واجباً قبل الصلاة، و(هي) أي: الزجر وأنث باعتبار أن الخبر جمع. فإن قلت: لم فسر بالجمع؟ قلت: نظراً إلى الجنس، و(هويت) بفتح الواو؛ أي: سقطت.
          الزركشي:
          الصحيح أن {اقْرَأْ} [العلق:1] نزلت أولاً لما بينه في حديث جابر من قوله وهو يحدث عن فترة الوحي.
          (فلما قضيت جواري) بكسر الجيم؛ أي: اعتكافي.
          (فجثثت) قال السفاقسي: كذا وقع عند القابسي من جثا يجثو، وهو لا يستقيم؛ لأنه غير متعد، واللغتان صحيحتان: جثثت بثاءين، أو جئثت بالهمز قبل الثاء، كذا ذكره أبو عبيد وغيره وهو معنى وَعيت.
          (الرجز والرجس: العذاب) قلت: هو من مجاز النقل مأمور بهجر العذاب، والمأمور بهجره في الحقيقة سببه، وهو الأوثان {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] فيذهب كيما يعود ذلك طبقاً كذا وقع في صحيح (خ) كيما أي كيما يسجد وهو مشكل على قول النحويين أي حذف معمول هذه النواصب للأفعال لا يجوز، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (أول ما نزل من القرآن) يعني أول ما نزل من القرآن فيما يتعلق بالإنذار يأيها المدثر وأول ما نزل مطلقاً {اقْرَأْ} إلى قوله: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5] وقيل: الفاتحة وهو شاذ / وأما آخر ما نزل من السور براءة ومن الآيات {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ} [البقرة:281] وقيل: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ} [النساء:176] وقيل: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ} [التوبة:128] ربكم الآيتين وقيل: آية الزمر باب وثيابك فطهر.
          قوله: (يحدث عن فترة الوحي) وكان مدة فترة الوحي سنتين ونصفاً والحكمة في هذه الفترة ليذهب روعه وليسوق إلى عوده.