مجمع البحرين وجواهر الحبرين

سورة المتحرم

          ░░░66▒▒▒ سورة التحريم
          مدنية. قال السخاوي: ونزلت بعد الحجرات وقبل(1) الجمعة. قيل: نزلت في تحريم مارية. أخرجه (ن) وصححه الحاكم على شرط (م). وقال الداودي: في إسناده نظر. ونقله الخطابي عن أكثر المفسرين، والصحيح أنها في العسل كما ستعلمه(2)، والآية لا طلاق فيها فتطلق بالتحريم، ويجوز أن يكون فيهما، ويؤيد الأول قوله: {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم:1] وقوله: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ} [التحريم:3] الآية، والعسل لا يؤكل سرًّا بخلاف الغشيان، ولأنه لا مرضاة في الأول بخلاف الثاني.
          قال (ن): حديث عائشة في العسل جيد غاية، وحديث مارية وتحريمها لم يأت من طريق جيدة.
          قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} [التحريم:1] الآية
          ثم ساق حديث معاذ بن فضالة ثنا هشام بسنده أن ابن عباس قال في الحرام: يكفر.. إلى آخره واختلف العلماء فيما إذا قال لزوجته: أنت علي حرام:
          فمذهبنا أنه إن نوى الطلاق فهو طلاق، أو الظهار فظهار، أو تحريم عينها بغيرهما لم تحرم، وعليه كفارة يمين، ولا يكون يميناً، وإن لم ينو شيئاً فالأظهر أن عليه كفارة يمين. وقيل: لغو لا شيء فيه أصلاً، ذكر القاضي في هذه المسألة أربعة عشر مذهباً:
          1- وهو مشهور مذهب مالك: أنه يقع به الثلاث، سواء كانت مدخولاً بها أم لا، لكن لو نوى أقل من ثلاث قيل: في عشر المدخول بها خاصة. وهو قول علي وزيد والحسن والحكم.
          2- أنه يقع الثلاث، ولا تقبل نيته في المدخول بها ولا غيرها، قاله ابن أبي ليلى وعبد الملك بن الماجشون.
          3- يقع في المدخول بها الثلاث وغيرها واحدة، قاله أبو مصعب ومحمد بن الحكم.
          4- يقع واحدة بائنة، المدخول بها وغيرها، وهي رواية عن مالك.
          5- يقع واحدة رجعية، قاله عبد العزيز بن أبي سلمة.
          6- يقع ما نوى، ولا يكون أقل من واحدة، قاله الزهري.
          7- إن نوى واحدة أو عدداً أو يميناً فله ما نوى وإلا فلغو، قاله النووي.
          8- مثله، إلا أنه إذا لم ينو شيئاً لزمه كفارة يمين، قاله الأوزاعي وأبو ثور.
          9- مذهب الشافعي السالف، وهو قول أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة.
          10- إن نوى الطلاق وقعت واحدة بائنة، وإن نوى ثلاثاً وقعت ثلاث، وإن نوى اثنتين وقعت واحدة، وإن لم ينو شيئاً فيمين، وإن نوى الكذب ولغو، قاله أبو حنيفة وأصحابه.
          11- مثل العاشر إلا أنه إذا نوى الاثنتين وقعتا، قاله زفر.
          12- أنه تجب فيه كفارة ظهار وقد سلف.
          13- أنها يمين يلزم فيها كفارة يمين، قاله ابن عباس وبعض التابعين، وعنه ليس بشيء.
          14- أنه كتحريم الماء والطعام فلا يجب فيه شيء أصلاً، ولا يقع به شيء؛ بل هو لغو، قاله مسروق وأبو سلمة والشعبي وأصبغ.
          ونقل ابن بطال [في] الحرام أنها يمين تكفر عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وعائشة وابن عباس وابن المسيب وعطاء وطاوس في آخرين؛ لأن الحرام ليس من ألفاظ الطلاق. قال ابن المنذر: إنما لزمته ◙ الكفارة بيمينه لا لتحريمه لما أحل الله له، فلا حجة لمن أوجب فيه كفارة يمين.
          وقال ابن التين: أخذ الشافعي وأبو حنيفة بما ذكره ابن عباس أنه يكفر كفارة يمين فيما عدا الزوجة واستدلا بقوله: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} [المائدة:87] / ثم جعله يميناً بقوله: {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2] وهذا كله إذا قاله لزوجته الحرة أما إذا قاله لأمته؛ فمذهبنا أنه إن نوى عتقها عتقت، أو تحريم عينها فكفارة يمين ولا يكون يميناً، وإن لم ينو شيئاً وجبت كفارة يمين على الأصح. وقال مالك: إنه لغو في الآية لا يترتب عليه شيء. وعامة العلماء كما قال القاضي: عليه كفارة يمين بنفس التحريم. وقال أبو حنيفة: يحرم عليه ما حرمه من أمته وطعام وغيره، ولا شيء عليه حتى يتناوله، فيلزمه حينئذ كفارة يمين.
          قال المهلب: وهذه نعمة أنعم الله بها على هذه الأمة بخلاف سائر الأمم، ألا ترى أن إسرائيل لما حرم على نفسه ما حرم لزمه ذلك التحريم، ونبينا عليه الصلاة والسلام لم يجعل له أن يحرم إلا ما حرم الله عليه.
          قال الزمخشري في ((الكشاف)) فإن قلت: هل كفر رسول الله بذلك؟ قلت: عن الحسن أنه لم يكفر؛ لأنه كان مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإنما هو تعليم للمؤمنين.
          وعن مقاتل أنه ◙ أعتق رقبة في تحريم مارية. ثم ساق (خ) حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلعم يشرب عسلاً عند زينب الحديث.
          وأخرجه في الطلاق والأيمان والنذور، وأخرجه (م) (د) (ن).
          واختلف في التي شرب في بيتها العسل، فعند (خ) زينب كما ترى، وأن القائلة له: (أكلت مغافير). عائشة وحفصة. وقال (ن): إسناده صحيح جيد غاية.
          وقال الأصيلى: إنه الصحيح. وهو أولى بظاهر الكتاب في قوله: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [التحريم:4] فهما ثنتان لا ثلاث. وفي رواية: أنها حفصة، وأن القائلة: (أكلت مغافير) عائشة وسودة أيضاً ذكرها في النكاح وصفية.
          وفي ((تفسير عبد بن حميد)) أنها سودة، كان لها أقارب أهدوا لها من اليمن عسلاً، والقائل له عائشة وحفصة، ويؤيد الأول أن أزواجه كن حزبين، قالت عائشة: أنا وسودة وحفصة وصفية في حزب، وزينب وأم سلمة والباقيات في حزب. ومعنى (تواطأت) اتفقت، وهو بالهمز.
          والمغافير بفتح الميم ثم غين معجمة ثم بعد الألف فاء جمع مغفور، وحكى فيه أبو حنيفة مغثوراً بثاء مثلثة. قال الداودي: ويروى به أيضاً، وميم مغفور أصلية. وقال الفراء: زائدة، وواحده: مغفر، وحكى غيره: مُغفر وقيل: مغفار. وقال الكسائي: مغفر. وقال ابن قتيبة: ليس في الكلام مفعول إلا مغفور ومغرود، وهو ضرب من الكمأة، ومنخور وهو المنخر، ومعلوق واحد المعاليق. والمغفور: صمغ أو شبهه حلو كالناطف، وله رائحة كريهة ينضحه شجر يسمى العرفط بعين مهملة مضمومة أيضاً نبات مميز، له ورقة عريضة تنفرش على الأرض وله شوكة وثمرة بيضاء كالقطن، مثل زر قميص، خبيث الرائحة. ووقع للمهلب أن رائحة العرفط والمغافير حسنة. وذكره ابن بطال في النكاح أيضاً، وهو خلاف / ما تضمنه الحديث واللغة، فإنهم قالوا: إنه من شجر العضاه، وهو كل شجر له شوك.
          قال أبو حنيفة: هو خبيث الرائحة، وتخبث رائحة راعيته وروائح ألبانها حتى يتأذى برائحتها وأنفاسها الناس فيتجنبونها، وهو معنى قول أبي الزناد: والعرفط زخمة ريح. وجاء في كتاب النكاح: جرست نحله العرفط، وهو بجيم وراء والسين المهملة؛ أي: أكلت. وأصل الجرس: الصوت الخفي، يقال: سمعت جرس الطير؛ أي صوت مناقيرها على ما تأكله. قال الأصمعي: كنت في مجلس شعبة بن الحجاج فروى حديثاً فيه يسمعون جرش طير الجنة. قالها بالشين المعجمة، فقلت: جرس بالمهملة فنظر إلي وقال: خذوها عنه، هو أعلم بها.
          وفي كتاب الخليل: الجرش بالشين المعجمة الأكل. وقيل: المغافير: هي البظر. وذكره ابن غلبون في ((تذكرته)) وكان ◙ يكره أن توجد منه رائحة، ويتوقى كل طعام ذي ريح.


[1] في المخطوط: ((وبعد))، ولعل الصواب ما أثبتناه.
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: كان النساء يعزبن أن يشرب عندها عسلا فصار يخفيه عنهن إكراماً لهن لا أن العسل يؤكل سرًّا)).