مجمع البحرين وجواهر الحبرين

{عبس}

          ░░░80▒▒▒ سورة عبس
          مكية، ونزلت قبل سورة القدر، وبعد النجم، كما ذكره السخاوي ونزلت في ابن أم مكتوم كما أسنده الحاكم(1).
          ({عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس:1]: كلح وأعرض) أي: بوجهه وهو الشارع، وكان يخاطب رجلاً من عظماء المشركين، قيل: هو عتبة بن ربيعة. وقيل: عتبة وشيبة. وقيل: أمية بن خلف. وقيل: أبي بن خلف وكان طامعاً في إسلامه، فأقبل ابن أم مكتوم ومعه قائده فأشار ◙ إلى قائده أن كف، فدفعه ابن أم مكتوم، فعند ذلك عبس رسول الله في وجهه. قال سفيان: فكان ◙ بعد ذلك إذا رآه بسط له رداءه ويقول: ((مرحباً بمن عاتبني فيه ربي)).
          وأغرب الداودي فقال: الذي عبس في وجه الأعمى هو الكافر الذي كان مع رسول الله.
          ({مُّطَهَّرَةٍ} [عبس:14]: لا يمسها إلا المطهرون وهم الملائكة، وهذا مثل قوله: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}) [النازعات:5] جعل الملائكة والصحف مطهرة؛ لأن الصحف يقع عليها التطهير، فجعل التطهير لمن حملها أيضاً قلت: وعليه جماعة من السلف.
          ({سَفَرَةٍ} [عبس:15]: الملائكة واحدهم سافر، سفرت أصلحت بينهم، وجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله وتأديته كالسفير الذي يصلح بين القوم) قلت: وقال قتادة: سفرة: كتبة كأنهم يكتبون في السفر / أعمال العباد، وقاله أبو عبيدة، وسيأتي عن ابن عباس.
          وقال غيره: ({تَصَدَّى} [عبس:6]: تغافل عنه) قلت: الأليق يقبل عليه ويتعرض له. ولم يتقدم من أول السورة عزة لأحد حتى يحسن قوله هنا: (وقال غيره).
          (وقال ابن عباس: {تَرْهَقُهَا} [عبس:41]: تغشاها شدة) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده عنه.
          ({مُّسْفِرَةٌ} [عبس:38]: مشرقة. {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} [عبس:15] قال ابن عباس: كتبة. {أَسْفَارًا} [الجمعة:5]: كتبا) يقال: واحد الأسفار سفر، قلت: السفر بكسر السين؛ أي: مسفور كالذبح والرعي للمذبوح والمرعي، وجمع سفير سفراء، وجمع سافر سفرة ككاتب وكتبة، والسافر: الرسول؛ لأنه يسفر إلى الناس برسالات الله، وقيل: السفرة: الكتبة، وقيل: الصحابة، وقيل: القراء.
          ({تَلَهَّى} [عبس:10] تشاغل) أي: بغيره وتعرض وتغافل عنه. ثم ساق حديث عائشة، قال: مثل الذي يقرأ القرآن الحديث وأخرجه (م) والأربعة، ومعنى (مثل): صفته؛ كقوله: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الرعد:35] كأنه قال: صفة الذي يحفظ القرآن كأنه مع السفرة فيما يستحقه من الثواب وفي قراءة القرآن، و(السفرة) سلف أيضاً.
          و(البررة): المطيعون من البر، وهو الظاهر، فيكُون للماهر بها في الآخرة منازل يكون فيها رفيقاً للملائكة لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله. ويجوز أن يكون المراد أنه عامل بعمل السفرة.
          قوله: (فله أجران) بتعاهده قراءته ومشقته؛ أي: من حيث التلاوة والمشقة. قال عياض وغيره: وليس معناه أنه يحصل له من الأجر أكثر من الماهر، بل الماهر أفضل وأكثر أجراً لما سلف، أنه مع السفرة ولم يذكر لغيره وكيف يلتحق به من لم يعتن بالقرآن ولا بحفظه وإتقانه، وكذا قال ابن التين الأظهر هذا وأنه يضاعف له أجره وأجر الأول أعظم وأكثر لما سلف وقيل: هو آخر الذي تقرأ حافظاً؛ لأن الأجر على كثر المشقة.
          قال والدي ⌂:
          قال تعالى: ({عَبَسَ}) أي: كلح، و({تَوَلَّى}) [عبس:1] أي: أعرض وقال: ({فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ. مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ}) [عبس:13-14] وقال (خ): يقع يعني لما كان[ت] الصحف تتصف بالتطهير وصف أيضاً حاملها أي: الملائكة به فقيل: لا يمسها إلا المطهرون وهذا كما في المدبرات أمراً فإن التدبير لمحمول خيول الغُزاة فوصف الحامل يعني الخيول به فقيل: فالمدبرات، وفي بعضها ((لا يقع)) بزيادة لا وفي توجيهه تكلف.
          وقال: ({بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}) [عبس:15] أي: ملائكة يقال سفرتُ إذا أصلحت بينهم فجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله، و(تأديته) أي: تبليغه كالسفير وفي بعضها: تأديبه من الأدب لا من الأداء، وقال ابن عباس: يعني كتبه و {يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة:5] أي: كتباً، وقال تعالى: ({فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى}) [عبس:6] أي: تتصدى فحذف إحدى التاءين أي: تتغافل عنه، قال في ((الكشاف)): أي: تتعرض له بالإقبال عليه وهذا هو المناسب المشهور، وقال تعالى: ({فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى}) [عبس:10] أي: تتشاغل عنه، وقال تعالى: ({لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ}) [عبس:23] أي: لا يقضي أحد ما أمر به بعد مع تطاول الزمان، قال: ({وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ}) [عبس:38] أي: مشرقة مضيئة، وقال: ({تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ}) [عبس:41] تغشاها شدة.
          قوله: (زرارة) بضم الزاي وخفة الراء الأولى (ابن أوفى) بلفظ أفعل التفضيل العامري، و(سعد بن هشام) الأنصاري ابن عم أنس بن مالك.
          قوله: / (مثل السفرة) وفي بعضها مع السفرة، و(يتعاهده) أي: يضبطه ويتفقده. فإن قلت: أيُّهما أفضل؟ قلت: الأول لاعتنائه بالحفظ، فإن قلت: مثل مبتدأ ومع السفرة خبره ولا ربط بينهما وكذا في القسم الآخر؟ قلت: لفظ المثل زائد أو المثل بمعنى المثيل يعني: شبهه مع السفرة فكيف به، الخطابي: السفرة الكتبة وهم الملائكة واحدهم سافر ككاتب وكتبة وقيل للكاتب السفر؛ لأنه يسفر عن الشيء أي: يوضحه ومثل الذي يقرأ على الوجه الذي ذكره من سهولة القرآن وتعذرها كأنه قال صفته وهو حافظ له كأنه مع السفرة الكرام في قراءته أو فيما يستحقه من الثواب وصفته، و(هو عليه شديد) أي: يستحق أجرين.
          الزركشي:
          (عبس) ({تَصَدَّى} [عبس:6] تغافل عنه) قال الحافظ أبو ذر: هذا ليس بصحيح، إنما يقال: تصدى للأمر إذا رفع رأسه إليه، فأما ((تلهى)) فتغافل وتشاغل عنه. وقال السفاقسي: قيل: يتصدى يتعرض، وهذا هو يليق بتفسير الآية؛ لأنه لم يتغافل عن الشرك إنما تغافل عمن جاءه يسعى.
          (مثل) بفتحتين؛ أي: صفته كقوله تعالى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ} [الرعد:35] واختلف في معنى قوله: (فيمن يتعاهده وهو عليه شديد له أجران) هل هو ضعف أجر الذي يقرأ حافظاً أو يضاعف له أجره، والأول أعظم وأكثر؛ لأنه مع السفرة الكرام، وهذا أشبه، ومن رجح الأول قال: الأجور على قدر المشقة.


[1] في هامش المخطوط: ((قال ابن الجوزي في ((الصفوة)) فجعل عبد الله بن أم مكتوم يستقرئ رسول الله آية من القرآن وقال يا رسول الله علمني مما علمك الله فأعرض عنه رسول الله وعبس في وجهه وتولى عنه وأملى على الآخرين الحديث)).