مجمع البحرين وجواهر الحبرين

{قل أوحي إلي}

          ░░░72▒▒▒ سورة قل أوحي إلي
          مكية، وتسمى سورة الجن قال ابن عباس: {لِبَدًا} [الجن:19] أعوانا.
          وقيل: مجتمعون. وقيل: جمع لبدة، وعاصم يقرؤها بفتح اللام، والتي في سورة البلد بضمها، وفسرها أبو بكر لبداً: كثيراً، ولبداً: بعضها على بعض، وقرئ بضم اللام والباء، وهو جمع لبود، وقرئ: (لبدا) جمع لابد، كراكع وركع. فهذه أربع قراءات. ثم ساق حديث أبي عوانة واسمه الوضاح عن أبي بشر واسمه جعفر عن ابن عباس قال: انطلق رسول الله صلعم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، الحديث وقد سلف في الصلاة، في باب: الجهر بقراءة الفجر.
          قال والدي ⌂:
          قوله: (أبو عوانة) بتخفيف الواو وبالنون وضاح، و(أبو بشر) بإعجام الشين جعفر، و(عكاظ) بضم المهملة وخفة الكاف وبالمعجمة، سوق للعرب بناحية مكة يصرف ولا يصرف، و(ما حدث) أي: أيّ شيء حدث، و(تهامة) بكسر الفوقانية، اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، و(نخلة) غير منصرف موضع مشهور ثمة، و(تسمعوا) أي تكلفوا للسماع مر شرحه في كتاب الصلاة، انتهى كلام والدي ⌂.
          أقول:
          قوله: (فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة) هم تسعة نفر وأسماؤهم هسا ومسا وناصا وناصوا وحطيطا والمصطفى والأهتم وابنا الأروراس ثم إن رسول الله صلعم جعلهم رسلاً من قبله وبعثهم إلى الجن قيل: إن النفر من الجن كانوا قبل الإيمان يهود مقرين بموسى لذلك قال: {أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف:30] فآمن جماعة من الجن، وأرادوا لقاء رسول الله صلعم فبعثوا وفداً فواعدهم رسول الله صلعم ليلة يأتونه فيها فلما وافوا نزل جبريل وأخبره بإقبالهم وأمره بالخروج إليهم فخرج صلعم نحوهم قيل: وكانت الليلة التي وافاهم رسول الله صلعم فيها ليلة الأربعاء وكان القادمون من الجن من قبل صنعاء ولهم أربعون راية تحت كل راية منهم جند ستمائة ألف من الجن فكان أوائل صفوفهم عند الصادرة وآخر صفوفهم ببطن عُرنة، قاله أبو الحسن الهيضم في ((قصص القرآن)).
          وقال السهيلي في ((التعريف)) في سورة الأحقاف / في قوله: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف:29] يقال هم جن نصيبين(1)، ويروى جن الجزيرة(2) وروى ابن أبي الدنيا أن النبي صلعم قال في هذا الحديث وذكر فيه نصيبين(3) فقال رفعت إلي حين رأيتها فدعوت الله أن يكثر مطرها وينضر شجرها وأن يعذب نهرها ويقال كانوا سبعة وكانوا يهود فأسلموا ولذلك قالوا: {أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى} وقيل في أسمائهم: شاصر وماصر ومنشى وماشي والأحقف ذكر هؤلاء الخمسة ابن دريد ومنهم عمرو بن جابر ومنهم رويعة وسبرق وقد ذكرنا من أسماء الجن ما حضرنا فإن كانوا سبعة فالأحقف منهم وصف لأحدهم وليس باسم علم فإن الأسماء التي ذكرناها آنفاً ثمانية بالأحقف والله أعلم.
          وذكر لعكل من عمرو بن جابر ورويعة وسبرق قصة في قتلهم وسماهم انتهى كلام السهيلي.
          وقال ابن الجوزي في ((زاد المسير)): وللمفسرين في عدد هؤلاء النفر ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم كانوا سبعة، والثاني: تسعة، والثالث: اثنا عشر ألفاً، روي عن عكرمة هذا القول ولا يصح لأن النفر لا يطلق على الكثرة.


[1] في هامش المخطوط: ((قوله: وفوا إلى قومهم منذرين قلت: أنذروا قومهم من قبل أنفسهم أم جعلهم رسول الله صلعم رسلا إلى قومهم فيه قولان: قال عطاء كان دين أولئك الجن اليهودية، ولذلك قالوا {مِن بَعْدِ مُوسَى}، من زاد المسير)).
[2] في هامش المخطوط: ((واختلف في المكان الذي سمعوا فيه بما رواه النبي صلعم على قولين: أحدهما الحجون والثاني: بطن نخلة، الأولى عن ابن زيد والثاني عن ابن عباس قاله ابن الجوزي في تفسيره)).
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: نصيبين ثلاثة مواضع أحدها مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام، وبينها وبين سنجار تسعة فراسخ، ونصيبين من قرى حلب قيل: نصيبين من نواحي حلب أيضاً، ونصيبين أيضاً مدينة على شاطئ الفرات كبيرة تعرف بنصيبين الروم بينها وبين آمد أربعة أيام، وقال في مختصر مجمع البلدان لياقوت، أقول: لا أعلم أن الجن الوافدين عليه ◙ من أي بلد من هذه الثلاثة، والمشهور منها الأولى والظاهر أنهم منها والله أعلم)).