مجمع البحرين وجواهر الحبرين

الجاثية

          ░░░45▒▒▒ سورة الجاثية
          مكية، قوله: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] فيه حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلعم: ((قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم)) الحديث.
          قيل: معناه: صاحب الدهر ومدبر الأمور المنسوبة إلى الدهور، وقيل: المعنى: إنكم تسبون الدهر؛ لما ينزل بكم، والفعل إنما هو لله، فمن سب الدهر لما يطوي عليه دخل في هذا الحديث، لا لما يرى من المنكر فيه، وكانت العرب إذا أصابتهم مصيبة يسبون الدهر، ويقولون عند ذكر موتاهم: أبادهم الدهر، ينسبون ذلك إليه، يرونه الفاعل لهذه الأشياء، ولا يرونها من قضاء الله وقدره، وأنه أزلي لا أول له، فأعلمهم الله أنه محدث، يقلب ليله ونهاره، لا فعل له، إنما هو ظرف للطوارئ.
          وكان أبو بكر بن داود الأصبهاني يرويه بفتح الراء من الدهر، منصوبة على الظرف؛ أي: أنا طول الدهر، بيدي الأمر، وكان يقول: لو كان مضموم الراء لصار من أسماء الله، وقال القاضي عياض: نصبه بعضهم على التخصيص. قال: والظرف أصح وأصوب. وقال أبو جعفر النحاس: يجوز النصب، أي: بأن الله باق أبداً لا يزول. وأما ابن الجوزي قيل: هو باطل من وجوه:
          1- أنه خلاف أهل النقل، فإن المحدثين المحققين لم يضبطوها إلا بالضم، ولم يكن ابن داود من الحفاظ ولا من علماء النقل.
          2- أنه ورد بألفاظ / صحاح تُبطل تأويله، وهي: ((لا تقولوا: يا خيبة الدهر؛ فإن الله هو الدهر)) أخرجاه.
          ولمسلم: ((لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر)).
          3- تأويله يقتضي أن يكون النهي لم يذكر؛ لأنه إذا قال: ((لا تسبوا الدهر فأنا الدهر، أقلب الليل والنهار)) فكأنه قال: لا تسبوا الدهر فأنا أقلبه. ومعلوم أنه يقلب كل شيء من خير وشر، وتقليبه للأشياء لا يمنع ذمها، وإنما يتوجه الأذى في قوله: ((يؤذيني ابن آدم)) على ما أشرنا إليه.
          وقال القرطبي: أي: يخاطبني من القول بما يتأذى به من يصح في حقه التأذي، لا أن الله يتأذى؛ لأن التأذي ضرر وألم، والرب تعالى منزه عن ذلك، وهذه توسعات يفهم منها أن من يعامل الله بتلك المعاملات تعرض لعقابه ومؤاخذاته، ولا شك في كفر من نسب تلك الأفعال يعني: الممدوحة والمذمومة أو شيئاً منها للدهر حقيقة أو اعتقد ذلك، وأما من جرت على لسانه ولا يعتقد صحتها فليس بكافر، ولكنه تشبه بأهل الكفر، وارتكب ما نهاه عنه الشارع، فليتب وليستغفر.
          قال والدي ⌂:
          قوله: (أنا الدهر) الخطابي: معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر، فإذا سب ابن آدم الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى لأني فاعلها، وإنما الدهر زمان جعلته ظرفاً لمواقع الأمور وكان من عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر (وقالوا وما يهلكنا إلا الدهر) وسبوه وقالوا بؤساً للدهر وتبا له إذ كانوا لا يعرفون للدهر خالقاً ويرونه أزليًّا أبديًّا ولذا سموا بالدهرية فأعلم الله سبحانه أن الدهر محدث يقلبه بين ليل ونهار لا فعل له في خير وشر لكنه ظرف للحوادث التي الله محدثها ومنشئها. النووي: أنا الدهر بالرفع وقيل: بالنصب على الظرف أي: أنا باق أبداً والموافق لقوله: إن الله هو الدهر الرفع، أقول: حاصله لا تسبوا الفاعل فإني فاعل أو هو بمعنى الداهر أي: المدهر.
          وقال: (يؤذيني ابن آدم) أي: يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم وفيه الاستعداد بالمراقبة لله تعالى والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وتفويض الأمور كلها إليه.
          الزركشي:
          (أنا الدهر) بالرفع ضبطه المحققون؛ أي: أنا الفاعل لما يضيفونه للدهر أو الخالق أو المقدر لما ينسبونه إليه، فإذا سببتم الذي تعتقدون أنه فاعل ذلك فقد سببتموه.
          وحكى الراغب أن الدهر الثاني غير الأول، وإنما هو قصد معنى الفاعل؛ أي: أن الله تعالى هو الدهر، أي: المصرف المدبر لما يحدث.
          قال: والأول أظهر، ولا يصح أن يقال: هو اسم الله تعالى، وكان أبو بكر بن داود الظاهري يروي بالفتح نصباً على الظرف، أي: أنا طول الدهر بيدي الأمر، وكان يقول: لو كان مضموم الراء لصار اسماً من أسماء الله تعالى.
          وهذا الذي قاله ليس بلازم ولا سيما على رواية: ((فإن الله هو الدهر)) وهو على ما ذكرنا وقد جوز النصب جماعة منهم النحاس، وقال القاضي: نصبه بعضهم على الاختصاص، والظرف أصح.