مجمع البحرين وجواهر الحبرين

سبأ

          ░░░34▒▒▒ سورة سبأ
          مكية إلا {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}الآية [سبأ:6]، قاله مقاتل، ونزلت بعد الزمر، وقبل: لقمان. كما قاله السخاوي، وفي (ت) من حديث فروة بن مسيك المرادي مرفوعاً: ((إن سبأ رجل ولد عشرة من العرب، فتيامن منهم ستة وتشاءم أربعة: لخم وجذام وغسان وعاملة، والأولون: الأزد والأشعرون وحمير وكندة ومذحج وأنمار)) فقال رجل: وما أنمار؟ قال: ((الذين منهم خثعم وبجيلة)) ثم قال: حسن غريب.
          وأخرجه في ((المستدرك)) عن ابن عباس بمثله، ثم قال: صحيح الإسناد، وعند ابن إسحاق: سبأ اسمه: عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قطحان، وهو يقظان بن عامر، وهو هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، وهو أول من سبي من العرب، فلقب بذلك.
          قال الكلبي: اسمه عامر، وكان يقال له: من حسنه عب الشمس، مثل: عب الشمس بالتشديد، وقال أبو العلاء المعري في كتاب ((الأيك والغصون)): لو كان الأمر على ما يقولون لوجب ألا يهمز.
          ولا يمتنع أن يدعى أن أصل السبي الهمز، إلا أنهم فرقوا بين سبيت المرأة وسبأت الخمر والأصل واحد.
          قال الوزير أبو القاسم في ((أدب الخواص)): هذا اشتقاق غير صحيح؛ لأن سبأ مهموز والسبي غير مهموز، والصواب أن يكون من سبأت النار جلده إذا أحرقته، ومن سبأت الخمر إذا اشتريتها.
          قال ابن هشام في ((تيجانه)) وكان أول متوج، وهو الذي بنى مصر بين البحرين، لتكون صلة بين المشرق والمغرب، وولى عليها ابنه بابليون، فبه سميت مصر بابليون، وبنى سبأ أيضاً السد المذكور في القرآن، وهو سد فيه سبعون نهراً، ونقل إليه الشجر من مسيرة ثلاثة أشهر، ولم يتمه، وأتمه من بعده الصعب بن مراثد ذو القرنين، وكان بين جبل مأرب والجبل الأبلق الذي هو متصل ببحر النجاة، ومأرب متصل بجبل عمان، وما فوق السد مسيرة ستة أشهر، وما تحته كذلك، ويأتي إليه من أعلى اليمن سبعون نهراً سوى ما يأتيه من السيول من حضرموت وأرض بَرهُوت إلى أرض الحبشة، وكان يحبس الماء فيه من الحول إلى الحول، وبلغ من العمر خمسمائة سنة، وبنى سبأ أيضاً قنطرة سنحة، وهي من أوابد الدنيا.
          {سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ:16]: هو السد، ماء أحمر، أرسله الله في السد فشقه وهَدمَه وحفر الوادي، فارتفعتا يعني: الجنتين، وغاب عنهما الماء فيَبستا، ولم يكن الماء الأحمر من السد، ولكنه كان عذاباً أرسله الله عليهم من حيث شاء.
          (وقال عمرو بن شرحبيل: العرم: المُسناة، بلحن أهل اليمن) (وقال غيره: العرم: الوادي) وهو قول عطاء، وفيه قول آخر أنه اسم الجُرذ الذي أرسل عليهم وخرب السد. وفي آخر: أنه المطر. وفي لفظ: المطر الكثير. وآخر: أنه السد. وقيل: إنه صفة السيل من الغرابة، وهو ذهابه كل مذهب. قال أبو حاتم: هو جمع لا واحد له من لفظه.
          وقال ابن التين: معنى المسناة: ما يبنى في عرض الوادي ليرتفع السيل ويفيض على الأرض. قال: وقيل: إنها عند أهل العراق كالزريبة تبنى على سيف البحر ليمنع الماء. قال: والمسناةُ بضم الميم وتشديد النون، كذا مضبوط في أكثرِ الروايات، وكذا في أكثر كتب اللغة، وضبط في رواية الأصيلي بفتح الميم وسكون السين وتخفيف النون / .
          وفي ((مغائص الجوهر في معرفة أنساب حمير)) قال ابن سَرْيَة: في زمن إياس بن رُحَيْعم بن سليمان بن داود بعث الله رجلاً من الأزد يقال له: عمرو بن الحجر، وآخر يقال له: حنظلة بن صفوان، وفي زمنه كان خراب السد، وذلك أن الرسل دعت أهله إلى الله، فقالوا: ما نعرف لله علينا من نعمة، فإن كنتم صادقين فادعوا الله علينا وعلى سدنا، فدعوا عليهم، فأرسل الله عليهم مطراً جرذاً أحمر، كأن فيه النار أمامه فارس، فلما خالط الفارس السد انهدم.
          قال أبو عبيد البكري في كتابه ((اللآلي شرح الأمالي)) يقال: إن الذي بنى السد بلقيس. وقال المسعودي: بناه لقمان بن عاد وجعله فرسخاً في فرسخ، وجعل له ثلاثين شعبًا.
          (قال ابن عباس: {كَالْجَوَابِ} [سبأ:13]: كالجوبة من الأرض) هذا أسنده ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي صالح، عن معاوية، عن علي عنه. وقال مجاهد: هي حياض الإبل، وأصله في اللغة من الجابية، وهو الحوض الذي يجبى فيه الشيء؛ أي: يجمع / ، ويقال: إنه كان يجتمع على كل جفنة واحدة ألف رجل يأكلون بين يديه.
          (الخمط: الأراك) هو قول مجاهد والضحاك وغيرهما، وقال أبو عبيدة: كل شجرة فيها مرارة، ذات شوك، وقال ابن فارس: كل شجر لا شوك له.
          (والأثل: الطرفاء) وهي جماعة الشجر، واحدها طرفة، وقيل: هو شجر يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم، وقال الداودي: هو والخمط صنفان من الشجر الذي لا يثمر.
          قوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ}الآية [سبأ:23]
          فيه حديث أبي هريرة: ((إذا قضى الله الأمر)) الحديث سلف قريباً.
          و{فُزِّعَ} قرئ بضم الفاء وفتحها، وقرأه الحسن بالراء، وهو بمعناه.
          ولما نزل جبريل بالوحي ظنت الملائكة أنه ينزل بشيء من أمر الساعة ففزعت.
          قوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم} [سبأ:46]
          ذكر فيه حديث ابن عباس ☺ السالف قريباً في: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] وهناك ذكره مطولاً في سورة الشعراء.
          قال والدي ⌂:
          قال تعالى: ({وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ}) [سبأ:5] أي: سابقين، وقال: ({بَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ}) [سبأ:16] والأكل الثمر والخمط الأراك والأثل الطرفاء والعرم الشديد، و(المسناة) من سناه إذا رفعه، و(اللحن) اللغة.
          قوله: (ارتفعتا عن الجنتين) فإن قلت: القياس أن يقال ارتفعت الجنتان عن الماء؟ قلت: المراد من الارتفاع الانتفاء والزوال يعني: ارتفع اسم الجنة عنهما فتقديره ارتفعت الجنتان عن كونهما جنة.
          قال في ((الكشاف)): وتسمية البدل جنتين على سبيل المشاكلة.
          قوله: (عمرو بن شرحبيل) بضم المعجمة وفتح الراء وإسكان المهملة وكسر الموحدة، الهمداني.
          قوله: (واحد واثنين) فإن قلت: معنى مثنى وفرادى مكرر فلم ذكره مرة واحدة؟ قلت: المراد التكرار ولشهرته اكتفى بواحد.
          قوله: (بدد) أي: فرق ومر الحديث في سورة الحج، و(محمد بن خازم) بالمعجمة والزاي، أبو معاوية الضرير، و(عمرو بن مرة) بضم الميم وشدة الراء، و(يا صباحاه) هذه الكلمة شعار الغارة إذ كان الغالب منها في الصباح ومر مراراً.
          الزركشي:
          (فارتفعتا عن الجنتين) قيل: صوابه ((يعني الجنتين))، ((يعني)) بدل ((عن))، وكذا هو في بعض النسخ في رواية أبي ذر.
          ({الْعَرِمِ} [سبأ:13] المسناة بلحن أهل اليمن) هو بفتح الحاء؛ أي: بلغتهم، واحدها عرمة وكأنه أخذ من عرامة الماء وهو ذَهَابه كل مذهب، والمسناة: ما بني في عرض الوادي لمرتفع المسيل ليحبس الماء وضبط عند الأكثر بضم الميم وتشديد النون، والأصيلي بفتح الميم وسكون السين وتخفيف النون.
          (العرم: ماء أحمر أرسله في السد فشقه) كذا لهم، ولأبي ذر: ((فبثقه)) وهو الوجه، يقال: بثقت النهر إذا كسرته لتصرفه عن مجراه.
          (قال ابن عباس: {كَالْجَوَابي} [سبأ:13] كالجوبة من الأرض) قيل: أصله في اللغة من الجابية وهي الحوض الذي يجبى فيه الشيء؛ أي: يجمع، فوزن جوابي على هذا فواعل؛ لأن عين الفعل واو، والجوبة المطمئن من الأرض، فلعل ابن عباس إنما شبه الجابية بالجوبة ولم يرد أن اشتقاقها واحد؛ لأن عين الفعل في الجوبة واو وأصله جاب يجوب.
          ({مَثْنَى وَفُرَادَى} [سبأ:46] واحد واثنين) صوابه: واحد واحد واثنين اثنين.
          (مسترق السمع) صوابه: مسترقو السمع في الموضعين (يا صباحاه) الصباح الغارة، وهي من باب الندبة، كأن معناه: يا قوم أنذركم الغارة، احذروها.
          (يصبحكم) أي: يأتيكم صباحاً، ويغير عليكم (ويمسيكم) يأتيكم مساءً.