مجمع البحرين وجواهر الحبرين

الحشر

          ░░░59▒▒▒ سورة الحشر /
          مدنية ({الْجَلَاء} [الحشر:3]: الإخراج من أرض إلى أرض) كما فعل ببني قريظة.
          ثم ساق عن سعيد بن جبير قلت لابن عباس: إلى آخره ثم ساق عن أبي سعيد أيضاً قلت لابن عباس: سورة الحشر، وقد سلف في الغزوات.
          باب {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ} [الحشر:5]
          فيه حديث ابن عمر أنه ◙ حرق نخل بني النضير الحديث، وسلف في الجهاد مختصراً خماسيًّا، وهنا ساقه رباعيًّا، وأخرجه مع (م) في المغازي والأربعة، وسلف هناك حكمه وما ذكره في تفسير اللينة هو قول أبي عبيدة وجماعة غيره، وقال ابن عباس وغيره: إنها النخلة.
          وقال سعيد بن جبير وقتادة: هي ما كان من التمر سوى العجوة وذكرنا في المزارعة فيها ثلاثة أقوال.
          قيل: وإنما أفردت العجوة؛ لأنها قوتهم وأصل لينة: لونة، قلبت الواو ياء، لانكسار ما قبلها.
          قال: ولون بمعنى.
          قال الهروي: اللون: الرمل وسبب الحديث ما رواه المغيرة أنه ◙ لما حاصرهم تحصنوا وأبوا أن يخرجوا، ففعل ذلك، فقالوا: يا محمد، أنت تنهى عن الفساد. فأنزل الله الآية.
          باب: {وَمَا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر:6]
          فيه حديث عمرو هو ابن دينار عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر كانت أموال بني النضير الحديث أخرجه أيضاً في الجهاد والنفقات والمغازي والاعتصام والخمس مطولاً ومختصراً.
          والحديث قد يحتج به مالك على أن الفيء لا يقسم وإنما هو ملك موكول إلى اجتهاد الإمام، وكذلك الخمس عنده، وأبو حنيفة يقسمه أثلاثاً. والشافعي يخمسه، وادعى ابن المنذر انفراده به، وكان له ◙ أربعة أخماس وخمس خمس الباقي، فكان له أحد وعشرون سهماً والباقي للأربعة المذكورة في الآية: {مَا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر:6]. ويتأول قوله هنا: وكانت أموال بني النضير؛ أي: معظمها.
          وفيه جواز ادخار قوت سنة لعياله إذا كان من غلته، وأما إذا اشتراه فأجازه قوم ومنعه آخرون إذا أضر بالناس وفيه أن ذلك لا يقدح في التوكل، فإن سيد المتوكلين فعله، لكنه ◙ لم يدخر لنفسه شيئاً، وإنما كان يفعل ذلك لأهله؛ لحقوقهم ودفع مطالبتهم، ومع ذلك كان أهله يتصدقن كفعله هو بما يفضل له.
          و(الكراع): بضم الكاف هو من ذوات الظلف خاصة، ثم كثر ذلك حتى سميت به الخيل، كما نبه عليه ابن دريد، وفي ((المجرد)) أنه اسم لجميع الخيل إذا قلت: السلاح والكراع، وأطلقه ابن التين، و(السلاح): يذكر ويجوز تأنيثه وهو ما أعد للحرب من آلة الحرب مما يقاتل به.
          قوله: (مما لم يوجف) أي: يسرع، يقال: أوجف الفرس إذا أسرع.
          باب {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7]
          فيه حديث منصور عن عكرمة، عن عبد الله قال: لعن الله الواشمات.. الحديث زعم الدارقطني أن الأعمش رواه كرواية منصور، وروى عنه عن إبراهيم، عن عبد الله لم يذكر علقمة. ورواه إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم، عن أم يعقوب. قال: والصحيح قول منصور. يعني ما في الكتاب.
          والوشم: غرز إبرة ونحوها في ظهر الكف أو الشفة وغير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم منه، ثم يحشى ذلك الموضع بكحل أو نورة أو نيل ففاعله واشم، والمفعول بها موشومة، فإن طلبت فعل ذلك منها فهي مستوشمة، وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها باختيارها والطالبة له، فإن فعل بطفلة فالإثم على الفاعلة دونها؛ لانتفاء التكليف في حقها وموضعه يصير نجساً، فإن أمكن إزالته بعلاج وجب، وإن لم يمكن إلا بجرح، فإن خاف منه ما أباح التيمم في عضو ظاهر لم تجب إزالته، وإذا تاب انتفى الإثم، وإن لم يخف محذوراً / لزمه إزالته، ويعصي بتأخيره، وسواء فيه الرجل والمرأة.
          والتنمص: بمثناة فوق ثم نون ثم ميم ثم صاد مهملة، إزالة الشعر من الوجه مأخوذ من المنماص بكسر الميم الأولى وهو المنقاش، والمتنمصة: طالبة ذلك، والنامصة: المزيلة له وبعضهم يقول: المنتمصة بتقديم النون حكاه ابن الجوزي، قال: والذي ضبطناه عن أشياخنا في كتاب أبي عبيد تقديم التاء مع التشديد.
          وهو حرام إلا إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب فلا يحرم بل يستحب عندنا، والنهي إنما هو في الحواجب وباقي أطراف الوجه وانفرد ابن جرير فقال: لا يجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولا شاربها، ولا تغيير شيء من خلقها بزيادة ولا نقص.
          وأبعد من قال: النامصة: التي تصبغ الحواجب، والمتنمصة: التي يفعل بها ذلك، حكاه ابن التين.
          والمتفلجات بالفاء والجيم، هو برد الأسنان الثنايا والرباعيات، قال أبو عبيدة يقال: رجل أفلج وامرأة فلجاء الأسنان، لا بد من ذكر الأسنان.
          قوله: (للحسن) إشارة إلى أن الحرام منه هو المفعول لطلب الحسن، أَمَّا إذا احتيج إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس به.
          لعن الواشرة والمتوشرة، كما حكاه أبو عبيد، وهي التي تشر أسنانها، أي: تفتحها وتجردها حتى تكون لها أشر وهي رقة وتحدد في أطراف أسنان الأحداث فهو تشبيه الأسنان يقال فيه: ثغر موشر، وتفعل ذلك العجوز وشبهها إظهاراً للصغر وحسن الأسنان، وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها، واختلف في المعنى الذي روي عن الوشم وشبهه، فقيل: لأنه من باب التدليس. وقيل: من باب تغيير خلق الله الذي يأمر به الشيطان، قال تعالى مخبراً عنه: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ} [النساء:119] وهذا إنما يكون باقياً، فأما ما لا يكون باقياً كالكحل والتزيين؛ فجوزه مالك وغيره، وكرهه للرجال، وأجاز مالك أيضاً سن المرأة بالحناء. وروي عن عمر إنكار ذلك، قال: إما أن تخضب بدنها كله أو تدعه، وأنكر مالك هذا عن عمر، وجاء عن حديث بالنهي عن تسويد الحناء. كما قاله عياض، وتحمير الوجه، والخضاب بالسواد إن فعل بإذن الزوج أو السيد جاز، وإلا فحرام.
          وقول ابن مسعود: (وما لي لا ألعن من لعن رسول الله).
          فيه: دلالة على جواز الاقتداء به في إطلاق اللعن معيناً كان أو غير معين؛ لأن الأصل أن الشارع ما كان يلعن إلا من يستحقه عنده، ولا يعارضه قوله: ((أيما مسلم سببته أو لعنته وليس لذلك بأهل فاجعل ذلك له كفارة وطهوراً)) لأنه عنده مستحق لذلك، وأما عند الله فالأمر موكول إليه عملاً بقوله: ((وليس لذلك بأهل)) أي: في علمك لا في علمي بأن يتوب مما صدر عنه، وإن علم الله منه خلاف ذلك كان دعاؤه عليه زيادة في شقوته. وكأن المرأة هي أم يعقوب المذكورة وهي أسدية. قال إسماعيل القاضي: وكانت قارئة للقرآن رأت على زوج ابن مسعود عن قرب شيئاً ما سمعته ينهى عنه وكأنه التنمص، فقال لها: اذهبي فانظري، فإنه لما رأى امرأته فعلته نهاها فانتهت وسعت في إزالته حتى زال، فلما دخلت المرأة على امرأته لم تر شيئاً، وهكذا ينبغي للرجل أن ينكر على امرأته إذا رآها على محرم، ويمتنع من وطئها كما قال عبد الله: (لو كان كذلك ما جامعتنا)، وفي لفظ: لم نجامعها، وإن كان يحتمل: لم نجتمع معها في دار إما بهجران أو بطلاق، يدل عليه رواية: لم نجامعها و / الرواية السالفة: ما جامعتنا.
          الواصلة: هي التي تصل شعرها بشعر آخر تكثر به، وهي الفاعلة والمستوصلة الطالبة له. ويقال لها: موصولة، وهو نص في تحريم ذلك، وهو قول جماعة العلماء، ومنعوا الوصل بكل شيء من الصوف والخرق وغيرهما؛ لأن ذلك كله في معنى وصله بالشعر؛ ولعموم النهي وسد الذريعة. وشذ الليث فأجاز وصله بالصوف وما ليس بشعر، وأباح آخرون وضع الشعر على الرأس وقالوا: إنما نهي عن الوصل خاصة، وهي ظاهرية محضة، وإعراض عن المعنى، وشذ قوم فأجازوا الوصل مطلقاً، وتأولوا الحديث على غير وصل الشعر، ولا يعرج عليه.
          وقد روي عن عائشة ولم يصح عنها ولا يدخل في هذا النهي ما ربط من الشعر بخيوط الشعر الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر؛ لأنه ليس منهيًّا عنه، إذ ليس هو بوصل إنما هو للتجمل. وفصل أصحابنا فقالوا: إن وصلته بشعر آدمي فهو حرام مطلقاً سواء كان من رجل محرم، أو غيره، أو امرأة لعموم الأحاديث، ولأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته؛ بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه، وإن وصلته بشعر غير آدمي فإن كان نجساً من ميتة وشعر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته فهو حرام أيضاً؛ ولأنه حامل نجاسة في صلاته وغيرها عمداً، وسواء في هذين النوعين المزوجة وغيرها من النساء والرجال. وأما الشعر الطاهر فإن لم يكن لها زوج ولا سيد فهو حرام أيضاً، وإن كان فأوجه التحريم لظاهر الأحاديث والجواز، وأصحها: إن فعلته بإذن السيد أو الزوج جاز وإلا فهو حرام.
          وفيه: أن المعين على المعاصي يشارك فاعلها في الإثم كما في الطاعة بالنسبة إلى الثواب.
          باب {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر:9]
          أي: استوطنوا أو نزلوا أو اختاروا. والدار هنا: المدينة.
          فيه حديث أبي بكر وهو ابن عياش مولى واصل بن حبان الأحدب الأسدي الكوفي عن حصين، عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر: أوصى الخليفة الحديث وسلف آخر الجنائز، وأخرجه في وصيته أيضاً.
          واختلف في المهاجرين الأولين فقيل: هم الذين صلوا القبلتين، قاله أبو موسى الأشعري وابن المسيب. وقيل: إنهم الذين أدركوا بيعة الرضوان، قاله الشعبي وابن سيرين، فعلى القول الأول هم الذين هاجروا قبل تحويل القبلة سنة اثنتين من الهجرة. وعلى الثاني: هم الذين هاجروا قبل الحديبية.
          باب {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ} [الحشر:9]
          و{الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]: الفائزون بالخلود، والفلاح: البقاء، حي على الفلاح أي: عجل إلى سبب البقاء في الجنة وهو الصلاة في جماعة، كذا ذكره ابن التين، وليس معناها كذلك في اللغة وإنما معناها: هلموا وأقبلوا. ثم ذكر حديث أبي حازم واسمه سلمان عن أبي هريرة: أتى رجل رسول الله صلعم فقال: يا رسول الله، الحديث. وذكره في فضائل الأنصار أيضاً وأخرجه (م) (ت) (ن).
          وذكر الواحدي من هذا الوجه أن الرجل الأول من أهل الصفة، وفي ((الأوسط)) للطبراني أنه أبو هريرة.
          وفي ((أحكام القاضي إسماعيل)) أن رجلاً من المسلمين مكث ثلاثة أيام لا يجد ما يفطر عليه حتى فطن له رجل من الأنصار يقال له: ثابت بن قيس. وبه جزم ابن التين. والمضيف هو أبو طلحة كما ذكره الخطيب وجاء مبيناً في رواية الحميدي، واسمه زيد بن سهل، كما قال ابن بشكوال، وأنكره النووي. وقيل: عبد الله بن رواحة. وعند المهدوي النحاس: نزلت في أبي المتوكل، وأن الضيف ثابت بن قيس عكس ما سلف. ووهم ابن عسكر فقال: أبو المتوكل هذا هو الباجي؛ لأنه تابعي إجماعاً.
          وفي ((أسباب النزول)) عن ابن عمر: أهدي لرجل من الصحابة رأس شاة / فقال: إن أخي فلاناً وعياله أحوج منا إلى هذا، فبعث به إليه، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها سبعة من أهل أبيات حتى رجعت إلى الأول، فنزلت.
          قوله: (لا تدخريه شيئاً) أي: لا تمسكي عنه شيئاً.
          وقول المرأة: (ما عندنا إلا قوت الصبية) يحتمل أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الأكل، وإنما تطلبه أنفسهم على عادة الصبيان من غير جوع يُضر، فإنهم لو كانوا على حاجة بحيث يضرهم ترك الأكل لكان إطعامهم واجباً يقدم على الضيافة، وقد أثنى الله عليهما.
          قوله: (إنهما لم يتركا واجبا) أو يقال: إنها علمت صبرهم عن العشاء تلك الليلة؛ لأن الإنسان قد يصبر ساعة عن الأكل ولا يتضرر به.
          قوله: (ونطوي بطوننا الليلة) أي: نجيعها، فإذا جاع الرجل، انطوى جلد بطنه.
          قوله: (لقد عجب الله أو ضحك الله) معنى العجب هنا الرضا، وحقيقته أن ذلك الفعل منها حاز عند الله من الرضا والقبول له ومضاعفة الثواب على العجب عندكم في الشيء التافه إذا دفع فيه فوق قدره وأعطى به الأضعاف من قيمته. وقول أبي عبد الله: معنى الضحك الرحمة. غريب، كما نبه عليه ابن التين، وتأويله بالرضا أشبه على ما سلف في العجب؛ لأن من أعجبه الشيء فقد رضي من قبله. وقيل: معنى ((ضحك)): أبان عن آلائه وفضله بإظهارها واتخاذها؛ لأن الضاحك يكشف ما استتر ويبين ما اكتتم.
          وفيه جواز نفوذ فعل الأب على الابن وإن كان منطوياً على ضرر إذا كان من طريق النظر، وأن القول فيه قول الأب والفعل فعله، وكان ذلك الإيثار لقضاء حق الرسول في إجابة دعوته والقيام بحق ضيفه.
قالت: أما ترحل تبغي الغنى                     قلت: فمن للطارق المعتم
قالت: فهل عندك شيء له                     قلت: نعم جهد الفتى المعدم
فكم وحق الله من ليلة                     قد طعم الضيف ولم أطعم
إن الغنى بالنفس يا هذه                     ليس الغنى بالثوب والدرهم
          قال والدي ⌂:
          قوله: (هشيم) مصغر الهشم، و(أبو بشر) بالموحدة المكسورة وإسكان المعجمة.
          جعفر وسميت بالفاضحة؛ لأنها تفضح الناس حيث تبين معايبهم كما قال: ({وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ}) [التوبة:61] وقال: ({وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ}) [التوبة:58] ({وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي}) [التوبة:49] ({وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ}) [التوبة:75] وبنو النضير بفتح النون وكسر المعجمة قبيلة اليهود.
          و(الجلاء) بفتح الجيم وبالمد، الإخراج من الأرض، قوله: (برنية) بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر النون وشدة التحتانية، ضرب من التمر والعجوة أجود أنواعه، و(الحسن بن مدرك) بلفظ فاعل الإدراك، و(يحيى بن حماد) بفتح المهملة وشدة الميم.
          و(مالك بن أوس) بفتح الهمزة وإسكان الواو وبالمهملة، ابن الحدثان بفتح المهملتين وبالمثلثة و(الإيجاف) من الوجيف وهو السير السريع والخيل الفرسان والركاب الإبل التي يسار عليها، و(الكراع) اسم لجميع الخيل.
          قوله: (الواشمات) بالمعجمة من الوشم وهو أن تغرز إبرة في ظهر الكف أو الكف أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم ثم يحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة فيخضر وذكر نحو ما سبق.
          و(النامصة) بالمهملة فهي التي تزيل الشعر من الوجه بالنتف ونحوه، وأما (المتفلجات) بالفاء والجيم من الفلج وهو فرجة بين الثنايا والرباعيات أو مفلجات الأسنان بأن تبرد ما بين أسنانها وتفعل ذلك العجوز إظهاراً للصغر وحسن الأسنان؛ لأن هذه الفرجة / اللطيفة فيها تكون للصغار فإذا كبرت سنها وتوحشت تبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر وهو حرام؛ لأنه تغيير لخلق الله وتزوير وتدليس وذلك إذا كان طلباً للحسن فلو احتاجت إليه لعلاج ونحوه فلا بأس به.
          فإن قلت: كل تغيير لخلق الله تعالى ليس مذموما؟ قلت: هذا [ليس] خصلة مستقلة بل هو صفة لازمة للتفلج ولهذا لم يقل والمغيرات بالواو.
          قوله: (ومن هو في كتاب الله) فإن قلت: هو على ماذا معطوف؟ قلت: هو على من لعنه وتقديره ما لي لا ألعن من هو في كتاب الله معلون، فإن قلت: أين في كتاب(1) الله لعنتهن؟ قلت: فيه وجوب الانتهاء عما نهاه الرسول لقوله: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر:7].
          وقد نهى عنه ففاعله ظالم وقال تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18].
          قوله: (اللوحين) أي: الدفتين أي: القرآن أو أراد باللوحين الذي يسمى بالرجل يعني بالكرسي ويوضع المصحف عليه فهو كناية أيضاً عن القرآن، وقراءة في بعضها قرأتيه بياء حاصلة من إشباع الكسرة، و(جامعتنا) أي: ما صاحبتنا بل كنا نطلقها ونفارقها، وفيه أن من عنده مرتكبة معصية كالوشم وترك الصلاة ونحوهما له أن يطلق ويخرجها.
          قوله: (عبد الرحمن) أي: ابن مهدي البصري وأما الثاني فهو عبد الرحمن بن عابس بالمهملتين والموحدة الكوفي، و(الواصلة) هي التي تصل شعر المرأة بشعر آخر، و(المستوصلة) هي التي تطلب من يفعل بها ذلك ويقال لها الموصلة.
          قوله: (أبو بكر) هو ابن عياش بالمهملة وشدة التحتانية وبالمعجمة المقري، و(حصين) مصغر الحصن بالمهملتين وبالنون، والمهاجرون الأولون هم الذين صلوا إلى القبلتين وقيل: هم الذين شهدوا بدراً وقيل: أهل بيعة الرضوان.
          فإن قلت: ما معنى تبوء الإيمان؟ قلت: هو نحو علفته تبناً وماءً بارداً(2).
          قوله: (يعقوب بن إبراهيم بن كثير) ضد القليل الدورقي بالمهملة والواو والراء والقاف، و(فضيل) مصغر الفضل بالمعجمة (ابن غزوان) بفتح المعجمة وإسكان الزاي وبالواو، الضبي الكوفي، و(أبو حازم) بالمهملة والزاي سلمان الأشجعي بفتح الهمزة والجيم وسكون المعجمة بينهما وبالمهملة، و(الجهد) أي: المشقة والطاقة في الجوع، و(الصبية) بلفظ الجمع، و(العشاء) بفتح العين.
          فإن قلت: نفقة الأطفال واجبة والضيافة لم تكن واجبة؟ قلت: لعل ذاك كان فاضلاً عن قدر ضرورتهم، فإن قلت: التعجب حالة تحصل عند إدراك أمر غريب والضحك ظهور الأسنان عند أمر عجيب وكلاهما محالان على الله تعالى، قلت: المراد في مثل هذه الإطلاقات لوازمها وغاياتها.
          الخطابي: إطلاق العجب لا يجوز على الله تعالى وإنما معناه الرضى وحقيقته أن ذلك الصنيع منهما حل من الرضا عند الله والقبول له ومضاعفة الثواب عليه محل العجب عندكم في الشيء التافه إذا رفع فوق قدره وأعطى به الأضعاف من قيمته مال وتأويل الضحك بمعنى الرضا أقرب من تأويل (خ) بالرحمة؛ لأن الضحك من الكرام يدل على الرضا وهو مندبة إنجاح الطلبة، قال ويحتمل أن يكون للملائكة لأن الإيثار على النفس نادر في العادات مستغرب في الطباع فتعجب منه الملائكة.
          الزركشي:
          (قلت لابن عباس: إلى آخره) بنو النضير قبيلة كبيرة من بني إسرائيل موازية في القدر والمنزلة لبني قريظة، وكان يقال للقبيلتين: الكاهنتان؛ لأنهما من ولد الكاهن بن هران، وكانت أرضهم وحصونهم قريباً من المدينة ولهم نخل وأموال عظيمة، فلما رجع النبي صلعم من أحد خرج إليهم فحاصرهم وأجلاهم، وإنما كره ابن عباس تسميتها بالحشر؛ لأن الحشر يوم القيامة، قال: وقال لهم النبي صلعم في رواية أبي صالح: يريد أنهم أول من يحشر وأخرج من داره وهو الجلاء.
          (حي على الفلاح، عجل) قال السفاقسي: لم يذكره أهل اللغة؛ إنما قالوا: معناها هلم أو أقبل.
          (لا تدخريه شيئا) أي: لا تمسكي عنه / شيئاً فتدخريه.
          (الصبية) بكسر الصاد جمع صبي. (وتعالى): بفتح اللام وإن كان خطاباً لمؤنث؛ ولهذا لَحّنوا من قال:
          تعالي أقاسمك الهموم تعالي
          انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (الجلاء) الإخراج قال الماوردي: الجلاء لا يكون إلا لجماعة، والإخراج قد يكون لواحد ولجماعة وقيل: الجلاء ما كان مع الأهل والولد والإخراج قد يكون مع بقاء الأهل.


[1] في هامش المخطوط: في نسخة: ((القرآن)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: يكون تقديره تبوأ الدار واختاروا في الإيمان كما في علفته تبنا وسقيته ماء باردا)).