مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما جاء في فاتحة الكتاب

          ░1▒ ما جاء في فاتحة الكتاب:
          وسميت أم الكتاب أنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة.
          فيه حديث خبيب بن عبد الرحمن بضم الخاء المعجمة عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المعلى، قال: كنت أصلي في المسجد الحديث وما ذكره في سبب تسميتها أم الكتاب صالح لتسميتها الفاتحة.
          وأما من سماها أم الكتاب فلأن أم الشيء ابتداؤه وأصله، ولها عدة أسماء أخر، قيل في قوله: {غَيْرَ مَدِينِينَ} [الواقعة:86]، أي: مملوكين، وخص بيوم الدين؛ لأنه لا ملك سواه إذ ذاك، ولا ملجأ إلا إليه، وادعى الداودي أن في حديث أبي سعيد تقديماً وتأخيراً.
          قوله: (ألم يقل الله: {اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ}) [الأنفال:24] وقال مرة: كان ◙ في تفسير الحجر: ((ما منعك أن تأتي)) قبل أن يعلمه أبو سعيد أنه كان في الصلاة، ولا يظهر ذلك، وكأن أبا سعيد يفهم أن الخطاب لمن هو خارج عن الصلاة إن استحضر ذلك، وهذا خاص به عليه أفضل الصلاة والسلام وفيه: أن الأمر على الفور والعمل بالعموم. والسؤرة بالهمز وعدمه.
          ومعنى (أعظم): أي: بثوابها. قال محمد بن علي بن الحسين: أولها ثناء، وأوسطها إخلاص، وآخرها مسألة.
          وفي ((الموطأ)): سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها.
          وفيه: دلالة على أفضيلة كلام الله وفضل كلام الله بعضه على بعض، وهو الصواب، وإن كان يحتمل أن يكون المراد أعظم نفع للمتعبدين؛ لأنه لا تجزئ صلاة إلا بها، ولذلك قيل لها: السبع المثاني، ويوضحه قوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة:106] والمراد بالخير: العبادة. ذكره ابن بطال، قال: ويحتمل أن يكون أعظم بمعنى عظيم.
          قوله: (قال: {الْحَمْدُ لِلّهِ}) قد يحتج به من لا يرى البسملة آية فيها، والحمد: الثناء بجميل صفاته، والرب: المدبر. {الْعَالَمِينَ} كل موجود سوى الله(1).
          قوله: (هي السبع المثاني والقرآن العظيم) هذا قول جماعة وهو تفسير للآية، وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير، أن السبع المثاني هي السبع الطوال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس.
          وذكر الحاكم على شرطهما عن ابن عباس أن السبع المثاني البقرة إلى براءة، قال: وقيل: هي السبع الذي تلي هذه السبع، وقيل السبع: الفاتحة، والمثاني: القرآن كما قال تعالى: {كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ} [الزمر:23].
          وقوله: (والقرآن العظيم) فيه / دلالة على أنها القرآن العظيم وأن الواو هنا ليست بعاطفة، وقال الضحاك: القرآن العظيم: سائره. واختلف لم سميت أم القرآن مثاني؟ على أقوال:
          1- لأنها تثني في كل ركعة فريضة ونافلة.
          2- الآية يثنى فيها على الله؛ لأن في الحمد ثناء عليه.
          3- لأنها استثنيت لهذه الأمة لم تنزل على من قبلها.
          4- لتثنية نزولها.
          5- لأن الفرائض والقصاص تثنى فيها، والفاتحة مكية. وقيل: مدنية. وقيل: نزلت مرتين فيهما، وقيل: نصفها مكي ونصفها مدني. حكاه أبو الليث السمرقندي في ((تفسيره)).
          وأبو سعيد بن المعلى قيل: اسمه رافع. وليس كذلك، فإنه قتل ببدر. قال ابن عبد البر: وأصح ما قيل فيه: الحارث بن نفيع بن المعلى بن لوذان الأنصاري الزرقي، له حديثان، وقيل: أوس، وقيل: أبو سعيد بن أوس مات سنة أربع وسبعين عن أربع وثمانين سنة، وابنه سعيد قاضي المدينة. تابعي، وأعمام أبي سعيد: راشد ورافع وهلال بنو المعلى، شهدوا بدراً وقتل رافع يومئذ، قتله عكرمة، وأخوهم عبيد قتله عكرمة أيضاً يوم أحد شهيداً، ونفيع أسلم قبل قدومه ◙ المدينة، وضربه رجل من مزينة حليف للأوس فقتله وهو ببطحان من أجل ما كان بين الأوس والخزرج، وكان أول قتيل في الإسلام في الأنصار، حكاه كله ابن الكلبي.


[1] في هامش المخطوط: ((قوله {مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال ابن الجوزي في ((زاد المسير)) قرأ عاصم والكسائي وخلف ويعقوب {مَالِكَ} بألف وقرأ أبو هريرة وعاصم الجحدري {مَـلِكِ} بإسكان اللام من غير ألف مع كسر الكاف، وقرأ أبو عثمان النهدي والشعبي {مَـلِكِ} بكسر اللام ونصب الكاف من غير ألف، وقرأ سعد بن أبي وقاص وعائشة ومورق العجلي: {مَـلِكِ} مثل {مَـلِكِ} إلا أنهم رفعوا الكاف، وقرأ أبي بن كعب وأبو خالد العطاردي {مَلِيكٍ} بياء بعد اللام مكسورة الكاف من غير ألف، وقرأ أبو حنيفة وأبو حيوة: {مَـلِكِ} على الفعل {يَوْمَ} بالنصب، والمشهور عن أبي عمرو وجمهور القراء {مَـلِكِ} بفتح الميم مع كسر اللام وهو أظهر في المدح لأن كل ملك مالك وليس كل مالك ملك، انتهى كلامه.
أقول: فيكون بين مالك وملك عموم وخصوص مطلق لا من وجه كما زعم بعض [من] لا علم عنده.
قال في ((الكشاف)): قرئ {مَـلِكِ} و{مَالِكَ} وملك بتخفيف اللام وذكر القراءات قال وملك هو الاختيار لأنه قراءة أهل الحرمين ولقوله {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ولقوله {مَلِكِ النَّاسِ} ولأن الملك يعم والملك يخص)).