مجمع البحرين وجواهر الحبرين

{والنجم}

          ░░░53▒▒▒ سُورة والنجم
          مكية، قال مقاتل: غير آية نزلت في نبهان التمار: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ} [الشورى:37] وقال الكفار: إن محمداً يقول هذا من تلقاء نفسه، فنزلت.
          وهي أول سورة أعلنها رسول الله صلعم بأمر الله، فلما بلغ آخرها سجد، وسجد من بحضرته من الجن والإنس، ونزلت بعد الإخلاص وقبل عبس، كما قاله السخاوي.
          {وَالنَّجْمِ} [النجم:1] هو الثريا، وقيل: كل نجم. (إذا هوى): إذا غَرب، وقيل: هو آيات القرآن. وقيل: هو رسول الله كما نزل بين المعراج. قال جعفر بن محمد: (هوى): انشرح من الأنوار، وانقطع عن غير الله. قال ابن أبي لهب واسمه لهب، وبه كني أبوه كما ذكره الحاكم وغيره: إني كفرت برب النجم، فنزلت، فقال له ◙: ((أما تخاف أن يسلط الله كلباً من كلابه عليك)) فسلط عليه الأسد في بعض أسفاره فاقتلع هامته.
          (قوله مجاهد: {ذُو مِرَّةٍ} [النجم:6] ذو قوة) وقال قتادة: ذو خلق طويل حسن.
          ({قَابَ قَوْسَيْنِ} [النجم:9]: حيث الوتر من القوس) هو قول مجاهد أيضاً، والقاب: القدر، وهو ما بين مقبض القوس وسيته، ولكل قوس قابان، وهو القاب والقيب. وقال مجاهد: القوس: الذراع بلغة أزد شنوءة.
          ({ضِيزَى} [النجم:22]: عوجاء) وعن ابن عباس والضحاك وقتادة: جائرة؛ حيث جعلتم له من الولد ما تكرهون لأنفسكم. وعن ابن كثير همزها والباقون بعدمه، وأصلها ضيزى بضم الضاد، لأن النحويين مجمعون إلا من شذ منهم أنه ليس في كلام العرب فعلى بكسر / الفاء نعت، وإنما في كلامهم فعلى بالفتح، وفعلى بالضم، وإنما كسرت الضاد لتصح إلينا لقولهم سيفك.
          قوله: ({وَأَكْدَى} [النجم:34]: قطع عطاءه) أي: ومنع الخير. قال مجاهد: هو الوليد بن المغيرة أعطى قليلاً ثم قطع. وقال السدي: نزلت في العاص بن وائل السهمي، وذلك أنه كان ربما يوافق رسول الله صلعم في بعض الأمور. وقال محمد بن كعب القرظي: نزلت في أبي جهل، وذلك أنه قال: والله ما يأمرنا محمد إلا بمكارم الأخلاق فذلك قوله: {وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} أي: لم يؤمن به.
          قوله: ({رَبُّ الشِّعْرَى} [النجم:49]: هو مرزم الجوزاء) هو قول مجاهد يريد الهنعة؛ لأن الشعرى كوكب يقابلها من جهة القبلة لا يفارقها، والمرزمان مرزمى الشعريين وهما نجمان أحدهما في الشعرى والآخر في الذراع، قاله في ((الصحاح)).
          وعبارة الثعلبي: الشعرى: كوكب خلف الجوزاء يتبعه ويقال له: مرزم الجوزاء، وهما شعريان: العبور والغميصاء يقال: إنهما وسهيلا كانت مجتمعة فانحدرت سهيل فقيده يمانيًّا فتبعته الشعرى العبور، فعبرت المجرة، فسميت العبور، وأقامت الغميصاء، فبكت لفقد سهيل حتى غمصت عينها أي: سال دمعها فسميت بالغميصاء؛ لأنها أخرى(1) من الأخرى، وأراد هنا الشعرى العبور، وكانت خزاعة تعبدها، وأول من سن ذلك رجل من أشرافهم يقال: أبو كبشة عبد الشعرى العبور، وقال: لأن النجوم تقطع السماء عرضاً والشعرى طولاً، فلما خرج رسول الله على خلاف العرب في الدين شبهوه بأبي كبشة؛ فسموه بابن أبي كبشة لخلاف إياهم كخلاف أبي كبشة في عبادة الشعرى.
          وعن قتادة: هو النجم الذي رأسه لا إله إلا الله. وقال مقاتل: كان ناس من خزاعة وغسان وغطفان يعبدونها، ويقال لها: المرزم. ووصفها أبو حنيفة في ((أنوائه)) فأوضح.
          قوله: ({الَّذِي وَفَّى} [النجم:37]: ما فرض عليه) وقيل: بالعشر التي ابتلي بها.
          وقيل: بذبح ابنه واختتانه، وقد جعل على نفسه أن لا يقعد على طعام إلا ومعه فقير أو مسكين. ووفى أبلغ من وفى؛ لأن الذي امتحن به ◙ من أعظم المحن.
          ({سَامِدُونَ} [النجم:61]: البرطمة) قلت: وهو بفتح الباء وسكون الراء: الانتفاخ من الغضب، ورجل مبرطم: متكبر. وقيل: متغضب. وقيل: هو الغناء الذي لا يفهم.
          (وقال عكرمة: يتغنون بالحميرية) أسندهما عبد بن حميد الأول عن مجاهد، والثاني عن عكرمة. قال: قلت: وما البرطمة؟ قال: الإعراض. وساق عن ابن عباس أنها الغناء، كانوا إذا سمعوا القرآن لعبوا وتغنوا. قال عكرمة: وهي بلغة أهل اليمن إذا أراد اليماني أن يقول: تغن قال: اسمُد. وقال قتادة {سَامِدُونَ} غافلون.
          وقال صالح أبو الخليل: لما نزلت هذه الآية ما رئي رسول الله ضاحكاً ولا متبسماً حتى ذهب، وقيل: الهائم. وقيل: الساكت: وقيل: الحزين الخاشع. وقيل: القائم: وقيل: مجيء الإمام إلى الصلاة.
          قوله: ({مَا زَاغَ الْبَصَرُ} [النجم:17]: بصر محمد {وَمَا طَغَى}: ولا جاوز ما رأى) أي: ما جاوز ما أمر به ولا مال عما قصده.
          ثم ساق (خ) حديث عائشة في الرؤية، وقد سلف، وشيخه فيه ثنا يحيى وهو ابن موسى الحُداني كما نسبه ابن السكن، فيما حكاه الجياني.
          قولها: (قف شعري) أي: اقشعر جسمي حين قام ما عليه من الشعر.
          وقول مسروق لعائشة: / (يا أمتاه) هو نداء كقوله: يا أباه عند الوقف، وإذا وصلوا قال: يا أُمة {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات:102] وإذا فتحوا للندبة قالوا: يا أبتاه ويا أمتاه والهاء للوقف، ولا يقولون: يا أبتي، ويا أمتي، زعماً أن الهاء فيه بمنزلة قولهم: رجل يفعة، وغلام يفعة.
          واحتجاج عائشة ♦ بالآيتين تريد نفي الرؤية في الدنيا وهو مذهبها، والجمهور على أنه رآه بعيني رأسه. والمراد بالإدراك الإحاطة.
          قولها: (ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين) الجمهور على أن المراد: ولقد رآه يعني: ربه أو جبريل والأول قول الحسن، والثاني قول الجماعة.
          قوله: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} [النجم:9]
          فيه حديث زر عن عبد الله قال: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} فثنا ابن مسعود أنه رأى جبريل له ستمائة جناح سلف في باب: الملائكة من كتاب: الوحي.
          قوله: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ} [النجم:10]
          فيه حديث عبد الله المذكور أيضاً، قوله: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18] فيه عن علقمة {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18] قال: رأى رفرفا أخضر وقد سلف هناك أيضاً، وقيل: الرفرف: فراش. وقيل: ثوب كان لباساً له. وقيل: بساط. وفي حديث آخر: رأى جبريل في حلي رفرف.
          قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم:19]
          فيه حديث أبي الأشهب، واسمه: جعفر بن حبان ثنا أبو الجوزاء بالجيم، واسمه: أوس بن عبد الله الربعي الأزدي البصري، قتل عام الجَماجم سنة ثلاث وثمانين(2).
          عن ابن عباس: {اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم:19] كان اللات رجلاً يلت سويق الحاج. هذا على قراءة من قرأ بتشديد التاء، وهو خلاف ما عليه الأكثر، والوقف عليها بالتاء خلافاً للكسائي حيث وقف بالهاء. قال ابن الزبير: كان رجلاً يلت لهم السويق، قيل: ويبيعه، فإذا شربوه سمنوا، وكان رجلاً معظماً، كذلك يقال: إنه عمرو بن لحي أو ربيعة بن حارثة، ذكره السهيلي، وهو والد خزاعة، وعمر طويلاً. وقال مجاهد: فلما مات عبدوه، وأحاطوا بقبره، وجعلوا موضع الذي كان يلت فيه منسكاً ثم عبد. وقال ابن صالح: كان يقوم على الأصنام ويلت لهم ذلك. وقال قتادة: اللات والعزى ومناة أصنام، اللات لأهل الطائف، والعزى لقريش، ومناة للأنصار. زاد غيره: وكانت في وجوه الكعبة من حجارة. وهذا مخالف لما سيأتي عن عائشة أن مناة صنم بين مكة والمدينة. وقيل: بمكة. وقال قتادة: بنخلة، وعن ابن عباس أن مناة كان على ساحل البحر يعبد.
          قلت: وقيل: من لوى؛ كأنهم كانوا يلوون عليها؛ أي: يطوفون، وقال مقاتل إنما سميت اللات لأنهم أرادوا أن يسموا الله فمنعهم فسموا مناة. فقالوا اللات وأرادوا أن يسموا العزيز فمنعهم فسموا العزى قلت: قيل: والعزى شجرة بعث خالداً إليها فقطعها. وقيل: وضعها لغطفان سعد بن ظالم.
          وفي ((الموعب)) لأبي غالب عن أبي عمرو: العزى: النجم الذي مع السماك.
          وفي ((روض الأنف)) كان عمرو بن لحي ربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة، وكسا عشرة آلاف حلة. وقيل: إن اللات للسويق للحجيج كان من ثقيف، فلما مات قال لهم عمرو بن لحي: إنه لم يمت، ولكنه دخل في الصخرة، ثم أمرهم بعبادتها، وأن يبنوا عليها بيتاً فسمي اللات، ويقال: دام أمره وأمر ولده على هذا بمكة ثلاثمائة سنة.
          قال في ((المحكم)): وأرى [العزى] تأنيث الأعز، كالكبرى من الأكبر، فاللام فيه ليست بزائدة، والوجه زيادتها.
          ثم ساق (خ) حديث أبي هريرة / قال: قال رسول الله صلعم: ((من قال في حلفه: واللات)) الحديث أخرجه (م) والأربعة.
          والحلف بفتح الحاء وكسر اللام وإسكانها أيضاً، أما الحلف بكسر الحاء وإسكان اللام فإنه العهد والحكمة في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به ولا عظيم في الحقيقة سواه، قال ابن عباس: لأن أحلف مائة مرة فآثم خير من أن أحلف مرة واحدة بغير الله(3)، وإنما أمره بكلمة الله بعد ذلك؛ لأنه تعاطى تعظيم الأصنام صورة، فإن أراد حقيقة كفر، فإذا حلف باللات أو بالأصنام أو قال: إن فعلت هذا فالأَبعدُ يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام، أو من الشارع، أو من القرآن أو نحو ذلك، فيمينه غير منعقدة، وعليه الاستغفار ويقول: لا إله إلا الله، ولا كفارة عليه، وإن فعله وفاقاً للأئمة الثلاث مالك والشافعي وأحمد والجمهور، وقال أبو حنيفة: تجب الكفارة في كل ذلك، إلا في قوله: أنا مبتدع أو بريء من رسول الله أو اليهودية، وأمره بالصدقة، وفي (م): ((فليتصدق بشيء)) من باب التكفير لهذه المعصية، ولا يتقدر بشيء، وقال الأوزاعي: ويتصدق بمقدار ما كان يريد أن يقامر به، وعن بعض الحنفية أن المراد بها كفارة اليمين.
          والقمار: مصدر قامره مقامرة، إذا طلب كل واحد أن يغلب صاحبه في عمل أو قول ليأخذ مالاً ممن غلب، ولا شك في حرمته، واستثني منه سباق الخيل بشروطه.
          وفيه دلالة لمذهب الجمهور كما حكاه القاضي أن العزم على المعصية إذا استقر في القلب كان ذنباً يكتب عليه، بخلاف الخاطر الذي لا استقرار له، وظاهر الحديث كما قال القرطبي وجوب الصدقة، وقول: لا إله إلا الله في حق الأول.


[1] لعل الصواب: ((أخفى)).
[2] في هامش المخطوط: ((الجماجم جمع جمجمة ودير الجماجم على سبعة فراسخ من الكوفة على طرف البر للسالك إلى البصرة، والجمجمة القدح من الخشب كان يعمل به فسمي بذلك وكانت بها وقعة سنة 83 قتل بها أوس هذا)).
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: هذا مشكل فإن الحلف بغير الله لا خير فيه)).